للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسبب الحُكْم، فتعيَّنَ بتعيينه وبمباشرته بالسبب، وأما التَّعيينُ بعد الإبهام فلم يُجْعَلْ إليه؛ لأنه لم يُبَاشِرْه بالسبب، والسبب كان قاصرًا عن تناوله معينًا، وإنما تناوله مُبْهمًا، والمكلَّفُ كان مخيَّرًا بين أن يوْقِعَ الحُكْمَ معيَّنًا فيتعين بتعيينه، أو يوقِعَهُ مبهمًا فيصيرَ تعيينُهُ إلى الشارع. (١).

وسر ذلك: أن الحكم قد تعلَّق في المبهم بالمشترك، فلابُدَّ من حاكم مُنَزَّهٍ عن التُّهمة، يُعَيِّنُ ذلك المشتركَ في فردٍ من أفراده.

والمكلَّفُ ليس بمُنَزَّهِ عن التُّهمة، فكانت القُرعة هي المعَيِّنَةَ، وأما إذا عيَّنه ابتداءً فلم يتعلَّقَ الحكمُ بمشترك، بل تعلَّق بما اقتضاه تعيينُه وغرضُه، فأنفذه الشارعُ عليه.

فهذا مما يدلُّك على دِقَّة فقه الصحابة - رضي اللهُ عنهم- وبُعد غَوْر مداركهم، ولهذا أفتى عليٌّ وابنُ عباس بالقرْعة ولم يجعلا التَّعْيينَ إليه، ولا يُحفظُ عن صحابيٍّ خلافَهما.

وإذا ثَبَتَ أن القُرْعَة في هذه الصُّورة راجحةٌ على تعيين المكلَّف، تبين بذلك تقريرُ المقام الثاني، وهو أن القولَ بها في مسألة المنسيَّة أولى؛ لأنها إذا عَمِلَتْ (٢) في محلٍّ قد تعلق الحكمُ فيه بالمشترك، وهو إحدى الزوجات؛ إذ كلُّ واحدة منهنَّ يصدُق عليها أنها أحدها، وهذا هو مأخذُ من عمَّم الوقوع = فَلأَنْ تعملَ في محلٍّ تعلَّقَ الحكمُ فيه ببعض أفراده أولى، فإن الحُكْمَ في الأول كان صالحًا لجميع الأفراد لتَعَلُّقه بالقَدْر المشترك، ومع هذا فالقُرْعَةُ قطعتْ هذه الصلاحيَّهَ وخصَّتْها بفردٍ بعينه، والحكمُ في الثانية


(١) من قوله: "والمكلف كان ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) (ع وظ): "علمت".