الحسن البصري وأبو ثَوْر وغيرُهما، وهو الصحيحُ من الأقوال، فإن طلاقَ الأربع -مع كون اللَّفظ غيرَ صالح له والإرادةُ غيرَ متناوِلة له- مخالِفٌ للأصول، وإيقاعٌ للطلاق من غير سَبَبِهِ، وقد تقدّم الكلامُ على مأخذ هذا القول وما فيه فلا نعيدُه، وعلى هَذا القول فلا قرعةَ ولا تعيينَ، وإنما الكلامُ على قولي القرعة والتَّعيين، فنقول: القولُ بالقرعة أصحُّ، وإذا كان القولُ بها أصَحَّ في هذه المسألة، فالقولُ بها في مسألة المنسيَّة أولى، فهذانِ مقامانِ بهما يتمُّ الكلام في المسألة، فأما المقامُ الأول: فيدلُّ عليه أن القرعة قد ثبَتَ لها اعتبارٌ في الشرع -كما قدَّمناه- وهي أقربُ إلى العدل، وأطيبُ للقلوب، وأبعدُ عن تهمة الغَرَض والميلِ بالهوى، إذ لولاها لزمَ أحد الأمرين؛ إما الترجيحُ بالمَيْل والغَرَض، وإما التَّوَقُّفُ وتعطيلُ الانتفاع، وفي كلٍّ منهما من الضَّرَر ما لا خفاءَ به، فكانت القُرْعَةُ من محاسن هذه الشَّريعة وكمالها وعموم مصالحها.
وأما تعيينُ المُطَلَّقةِ بعد إبهامها، وانتظارُ ما يعيُّنه النَّصيب والقسمة التي لا تتطرَّقُ إليها تهمةٌ ولا ظِنَّةٌ، فليس ذلك إلى المكلَّف، بل إليه إنشاءُ الطلاق ابتداءً في واحدة منهنَّ، وأما يكونَ إليه تعيينُ من جعل طريقَ تعيينه خارجًا عن مقدوره، وموكولًا إلى ما يأتي به القَدَر ويُخْرِجُهُ النَّصِيبُ المقسوم المغيَّبُ عن العباد = فكَلَاّ.
وسرُّ المسألة: أن العبدَ له التَّعييِنُ ابتداءً، وأما تعيينُ ما أبهمه أولًا فلم يُجْعَلْ إليه ولا مَلَّكهُ الشارعُ إياه.
والفرقُ بينهما: أن التعيينَ (١) الابتدائيَّ تعلَّقُ به إرادتُه وباشرَه
(١) من قوله: "ابتداء، وأما ... " إلى هنا ساقط من (ظ).