للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل نفس وعين حاسد لمَّا اشتكى، فدَلَّ على أن هذا التعويذَ مُزِيلٌ لِشكَايته - صلى الله عليه وسلم -, وإلا فلا يُعَوِّذُه من شيء وشِكَايته من غيره.

قالوا: وأما الآيات التي استدللتم بها فلا حجةَ لكم فيها, أما قوله تعالي عن الكفار أنهم قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: ٤٧] وقوله قوم صالح له: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣)} [الشعراء: ١٥٣] فقيل: المراد به من له سَحَرٌ, وهي الرِّئَةُ, أي: أنه بَشَرٌ مثلُهم يأكلُ ويشربُ, ليس بِمَلَكٍ, ليس المرادُ به السِّحْرَ, وهذا جواب غير مَرْضيٍّ, وهو في غاية البعد فإن الكفار لك يكونوا يعبرون عن البشر بأنه مسحور, ولا يُعْرف هذا في لغة من اللغات (١) , وحيث أرادوا هذا المعنى أتَوْا بصريح لفظ البشر فقالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} , {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} , {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)}.

وأما المسحور, فلم يريدوا به: ذا السَّحْر وهي: الرئة وأيُّ مناسبةٍ لذكر الرئة في هذا الموضع؟! ثم كيف يقول فرعون لموسى: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (١٠١)} [الإسراء: ١٠١] أَفَتُراه ما علم أنَّ له سَحْرًا وأنه بشرٌ, ثم كيف يجيبُهُ موسى بقوله {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢)} [الإسراء: ١٠٢] ولو أراد بالمسحور أنه بشر لصدَّقه موسى وقال نعم أنا بشرٌ أرسلني اللهُ إليك, كما قالت الرسلُ لقومهم لما قالوا لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} فقالوا: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ولم ينكروا ذلك, فهذا الجوابُ في غاية الضَّعف.

وأجابت طائفةٌ منهم ابنُ جرير (٢) وغيره, بأن المسحور هنا هو


(١) (ق): "من لغات الأمم".
(٢) كما في "تفسيره": (٨/ ١٥٨) قال: "وقد يجوز أن يكون مرادًا به: إني لأظنك =