للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنزلت المعوذتان (١).

قالوا: والسِّحر الذي أصابه - صلى الله عليه وسلم - كان مرضًا من الأمراض عارضًا شفاه الله منه, ولا نقصَ في ذلك ولا عيب بوجهٍ ما, فإن المرضَ يجوزُ على الأنبياء, وكذلك الإغماءُ فقد أُغْمِيَ عليه - صلى الله عليه وسلم - في مرضه (٢) , ووقع حين انفكتْ قدمُه (٣) , وجُحِشَ شِقُّهُ (٤) , وهذا من البلاء الذي يزيدهُ اللهُ به رفعةً في درجاته ونيل كرامته, وأشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ, فابتلوا من أممهم بما ابْتُلوا به من القتل والضرب والشتم والحبس, فليس بِبدْعٍ أن يُبْتَلَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من بعض أعدائه بنوع من السحر كما ابتلى بالذي رماه فشجَّه, وابتليَ بالذي ألقى على ظهره السَّلَى وهو ساجد, وغير ذلك, فلا نقصَ عليهم ولا عارَ في ذلك, بل هذا من كمالهم وعُلوٌّ درجاتهم عند الله.

قالوا: وقد ثبت في "الصحيح" عن أبي سعيد الخُدْري أن جبريل أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ " فقال: "نَعَمْ", فقال: "بِاسمِ الله أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ, مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ, اللهُ يَشْفِيكَ, بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" (٥) فعوّذه جبريلُ من شرِّ


(١) قال الحافظ في "الفتح": (١٠/ ٢٣٧): "وقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي: "فأقام أربعين ليلة" وفي رواية وهيب (كذا! وصوابه: معمر، أما رواية وهيب ٦/ ٩٦ فليس فيها تحديد المدة) عن هشام عند أحمد (٦/ ٦٣): "ستة أشهر"، ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يومًا من استحكامه ... " اهـ.
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٩٨)، ومسلم رقم (٤١٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) أخرجه البخاري رقم (١٩١١) من حديث أنسٍ بن مالك -رضي الله عنه-.
(٤) أخرجه البخاري رقم (٣٧٨)، ومسلم رقم (٤١١) من حديث أنسٍ -أيضًا-.
(٥) أخرجه مسلم رقم (٢١٨٦) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.