ورسولهُ كذلك، فاستغنى بإعادة الضمير إلى الله، إذ إرضاؤُه هو أرضاءُ رسولِهِ، فلم يحتجْ أن يقول: يرضوهما، فعلى هذا يكون الأصل في الآية:"إنَّ الله قَرِيبٌ من المُحْسِنينَ، وإن رحمةَ اللهِ قريبةٌ من المُحْسِنين"، فاستغنى بخبرِ المحذوف عن خبر الموجود، وسَوَّغَ ذلك ظهورُ المعنى، وهذا المسلكُ مسلكٌ حَسَنٌ إذا كُسِي تعبيرًا أحسنَ من هذا، وهو مسلكٌ لطيفٌ المَنْزِع دقيقٌ على الأفهام، وهو من أسرار القرآن.
والذي ينبغي أن يعَبَّرَ عنه به: أن الرحمة صِفَةٌ من صِفَات الرب تبارك وتعالى، والصِّفَةُ قائمة بالموصوف (ظ / ١٥٨ أ) لا تفارِقُهُ؛ لأن الصفة لا تفارقُ موصوفَها، فإذا كانت قريبةً من المُحسنين (ق / ٢١٦ ب) فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منه، بل قربُ رحمته منه تَبَعٌ لقُرْبه هو تبارك وتعالى من المُحسنينَ.
وقد تقدَّم في أوَّل الآية أن الله تبارك وتعالى قريبٌ من أهل الإحسان بإثابته، ومن أهل سؤاله بإجابته، وذكرنا شواهدَ ذلك، وأن الإحسانَ يقتضي قربَ الرَّبِّ من عبده، كما أن العبدَ قرُبَ من ربِّه بالإحسان، وأن من تَقَرَّبَ منه شِبرًا تقرَّب اللهُ منه ذراعًا، ومن تَقَرَّبَ منه ذراعًا تَقَرَّبَ منه باعًا، فالربُّ تبارك وتعالى قريبٌ من المحسنين، ورحمتُه قريبةٌ منهم، وقربُهُ يستلزمُ قربَ رحمته، ففي حذف التاء هاهنا تنبيهٌ على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن الله تعالى قريبٌ من المحسنين، وذلك يستلزمُ القُربين: قربَه وقربَ رحمته، ولو قال:"إن رحمةَ الله قريبةٌ من المحسنين"، لم يدُلَّ على قربه تعالى منهم؛ لأن قربَهُ تعالى أخصُّ من قرب رحمته، والأعمُّ لا يستلزمُ الأخصَّ، بخلاف قربه، فإنه لما أكان أخصَّ استلزمَ الأعمَّ، وهو قرب رحمته،