للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم لو آمنوا بالمُنْزلِ عليهم لأجل (١) أنه حقٌّ لآمنوا بالحقِّ الثاني، وأَعْطوا الحقَّ حقَّه من الإيمان، ففي ضِمن هذه الشهادةِ عليهم بأنهمِ لم يؤمنوا بالحقِّ الأوَّلِ ولا بالثاني، وهكذا (٢) الحكم في كلِّ من فَرَّقَ الحق فآمَنَ ببعضِهِ وكَفَرَ ببعضهِ، كمن آمَنَ ببعض الكتاب وكَفَرَ ببعض، وكمن آمن ببعض الأنبياءِ وكفر ببعض، لم ينفعه إيمانهَ بما آمن به (٣) حتى يؤمنَ بالجميع.

ونظيرُ هذا التفريقِ تفريق من يردُّ آيات الصّفاتِ وأخبارها، ويقبلُ آياتِ الأوامرِ والنَّواهي، فإن ذلك لا ينفعُه لأنه آمَنَ ببعض الرِّسالة وكفر ببعض، فإن كانت الشّبْهَةُ التي عَرَضَتْ لمن كفر ببعض الأنبياءِ غيرَ نافعةٍ له، فالشبهةُ التي عرضت لمن ردَّ بعض ما جاء به النبيُّ أولى أن لا تكود نافعة، وإن كانت هذه عذراً له، فشبهةُ من كَذَّبَ بعضَ الأنبياء مثلُها، فكما أنه لا يكون مؤمنًا حتى يؤمنَ بجميع الأنبياء، ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميعهم، فكذلكَ لا يكون مؤمناً حتى يؤمنَ بجميِع ما جاء به الرَّسولُ، فإذا آمن ببعضهِ وردَّ بعضَه، فهو كمن كفر به كُلّه.

فتأمَّلْ هذا الموضِعَ واعتبِر به الناس على اختلافِ طوائِفهم، يتبين لك أن أكثرَ من يَدَّعِي الإيمان برئٌ من الإيمان، ولا حَوْل ولا قوَةَ إلَّا بالله.

الوجه الثاني: من النقض قولهُ: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ


(١) ليست في (ع).
(٢) (ق وظ): "وهذا".
(٣) (ع وظ): "كفر به".