للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) ووجهُ النقض: أنكم إن زعَمْتُم أنكم تؤمنون بما أنْزلَ إليكم وبالأنبياء الذين بُعثوا فيكم، فَلمَ قتلتموهم من قبلُ؟ وفيما أُنزل إليكم (١) الإيمان بهم وتصديقُهمِ، فلا آمنتم بما أُنْزلَ إليِكم ولا بما أُنْزلَ على محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم كأنه تَوقَعَ منهم الجوابَ: بأنّا لم نقتل من ثَبَتتْ نبوَّتُهُ، ولم نكذِّب به، فأُجيبوا -على تقدير هذا الجوابِ الباطلِ منهم -بأن موسى قد جاءَكُمْ بالبيِّناتِ، وما لا رَيْبَ معه في صحَّة نبوَّتِهِ، ثم عبدتم العجلَ بعد غيبته عنكم وأشركتم باللهِ وكفرتم به، وقد علمتم نبوَّةَ موسى وقيامَ البراهين على صدقِهِ، فقال: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٩٢)} [البقرة: ٩٢]، فهكذا تكون الحججُ والبراهينُ ومناظراتُ الأنبياء لخصومهم.

* (ق/ ٣٧٠ ب) ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤)} [البقرة: ٩٤]، كانوا يقولونَ: نحن أحبَّاءُ اللهِ ولنا الدَّارُ الآخرَةُ خالصةً من دونِ النَّاسِ، وإنما يُعَذَّبُ منا من عَبَدَ العجلَ مُدَّة، ثمَّ يخرُجُ من النَّارِ، وذلك مُدَّةُ عبادتهم له، فأجابهم تبارك وتعالى عن قولهم: إن النار لن تَمَسَّهم إلَّا أيامًا معدودةً بالمطالبة، وتقسيمِ الأمر بينَ أن يكون لهم عند الله عهدٌ عَهِدَهُ إليهم، وبيْنَ أن يكونوا قد قالوه عليه بما (٢) لا يعلمونَ، ولا سبيلَ لهم إلى ادِّعاء العهد، فتعيَّنَ الثاني، وقد تقدَّم.

ثم أجابهم عن دعواهم خلوصَ الآخِرَةِ لهم بقوله: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤)}؛ لأن الحبيبَ لا يَكْرَهُ لقاءَ حبيبِه،


(١) من قوله: "وبالأنبياء الذين ... " إلى هنا ساقط من (ع).
(٢) (ع): "ما".