للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التاسعة: أن يقالَ: الاستفتاح به تصديقٌ وإقرار بنبُوَّتهِ، وتكذيبُهُ (ظ/ ٢٥٦ ب) جَحدٌ وكفرٌ بها، والإيمان والتصديق برسالة الرجل الواحد، والتكذيب والجحد بها مستلزم للكفر ولا بُدَّ، فإنَّه يستلزم أحدَ الأمرين: إما التصديقُ بنبوَّةِ من ليس بنبي، وإما جَحْدُ نبوَّة من هو نبيٌّ، وأيَّهما كان فهو كفرٌ، وقد أقررتم على أنفسكم بالكفر ولا بد، {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)}.

العاشرة: تقريرُ الاستدلال بطريقة استسلافِ المقدمات والمؤاخذةِ بالاعتراف؛ فيقال لهم: ألستم كنتم تستفتحون به؟ فيقولون: بلى، فيقال: أليس الاستفتاح به إيمانٌ به؟ فلا بُدَّ من الاعترافِ بذلك، فيقال: أفليسَ ظهور من كنتمْ تؤمنونَ به قبل وجودِه موجباً عليكم الإيمان به؟ فلا بدَّ من الاعتراف (١) أو العِنادِ الصَّريح.

وليس لأعداءِ الله على هذه الوجوه اعتراض ألبتةَ، سوى أن قالوا: هذا كلُّهُ حقٌّ؛ ولكن ليس هذا الموجودُ بالذي كنا نستفتِحُ به، وهذا من أعظمِ البَهْتِ والعِنادِ، فإن الصِّفاتِ والعلاماتِ التي فيه طابقَتْ ما كانَ عندَهم مطابقةَ المعلوم لعلمهِ، فإنكار أن يكونَ هو، إنما يكونُ جَحْدًا للحقِّ وإنكاراً له باللِّسان، والقلبُ يعرفُ، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩].

فأغنى عن هذه الوجوهِ والتقريراتِ كلّها قولُه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩]، والمادة الحقُّ يمكنُ إبرازُها في الصُّوَر المتَعَدَّدَةِ، وفي أيّ قالبٍ


(١) من قوله: "بذلك، فيقال ... " إلى هنا ساقط من (ظ).