للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيحُ في هذا: أنه منصوبٌ على الحال، والمعنى عليه، فإن المعنى: ادعوا ربَّكُمْ متضرِّعين إليه خائفينَ طامعينَ (١). ويكونُ وقوعُ المصدر موقعَ الاسم على حد قوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: ١٧٧]، وقولهم: رجل عَدْل، ورجل صَوْمٌ، قال الشاعر (٢):

* فإنَّما هي إقبالٌ وإدبارُ *

وهو أحسن من أن يقال: ادعوه مُتَضَرِّعينَ خائفينَ وأَبْلَغُ، والذي حسَّنه أن المأمور به هنا شيئان: الدعاء الموصوف المقيَّد بصفة معيَّنة، وهي صفة التَّضَرُّع والخوف والطمع، فالمقصودُ تقييد المأمور به بتلك الصفة، وتقييد الموصوف الذي هو صاحِبُها بها، فأتى بالحالِ على لفظ المصدر لصلاحِيَّتِهِ لأن يكون صفةً للفاعل وصفةً للفعل المأمور به.

فتأمَّل هذه النكتةَ، فإنك إذا قلت: اذكر ربَّك تَضَرُّعًا، فإنك تريد: اذكره متَضَرِّعًا إليه، واذكره ذكر تضرُّع، فأنت مريدٌ للأمرين معًا، ولذلك إذا قلتْ ادْعُهُ طَمعًا، أي: ادعُهُ دعاءَ طمع (٣)، وادعُهُ طامعًا في فضله، وكذلك إذا قلت: ادعُهُ رغْبَةً ورهْبَةً، كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: ٩٠] كان المرادُ: ادعُهُ راغبًا وراهبًا، وادعُه دعاءَ رغبة ورهبة.

فتأمَّلْ هذا الباب تجدْه كذلك، فأتى فيه بالمصدر الدَّالِّ على وصف المأمور به بتلك الصفة، وعلى تقييد الفاعل بها تقييدَ صاحب


(١) (ظ ود): "مطيعين".
(٢) عجز بيت للخنساء من قصيدة ترثيِ أخاها صخرًا "الديوان": (ص/ ٣٨٣).
وصدره:
* ترتَعُ ما رَتَعت حتى إذا ادَّكَرَتْ *
(٣) من قوله: "إليه واذكره ... " ساقط من (ظ ود).