للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطمعًا، ثم قرَّرَ ذلك، وأكد مضمونه بجملة خبرية، وهي قوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، فتعَلُّق هذه: الجملة (١) بقوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} كتعلق قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)} بقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.

ولما كان قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} مشتملًا على جميع مقامات الإيمان والإحسان, وهي: الحب والخوف والرجاء عقَّبها بقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، أي: إنما ينال من دعاه خوفًا وطمعًا، فهو المحسِنُ والرحمة قريبٌ منه؛ لأن مدارَ الإحسان على هذه الأصول الثلاثة.

ولما كان دعاءُ التَّضَرُّع والخُفية يقابلُه الاعتداء بعدم التَّضَرُّع (٢) والخُفية، عَقَّب ذلك بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)}.

وانتصابُ قوله: {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} و {خَوْفًا وَطَمَعًا}، قيل: هو على الحال، أي: ادعوه متَضَرِّعِنَ مُخْتَفِين خائفينَ طامعينَ، وهذا هو الذي يُرَجِّحه السُّهَيْلِيُّ وغيره (٣). وقيل: هو نصبٌ على المفعول به، وهذا قولُ كثير من النُّحاة، وقيل: هو نصبٌ على المصدر، وفيه على هذا تقديران؛ أحدهُما: أنهْ منصوبٌ بفعل مقدَّر من لفظ المصدر، والمعنى: تَضَرَّعوا إليه تَضَرُّعًا واخفوا خُفْيَةً، والثاني: أنه منصوبٌ بالفعلِ المذكور نفسه؛ لأنه في معنى المصدر، فإن الدَّاعي متَضرِّعٌ طامعٌ في حصول مطلوبه خائفٌ من فواتِهِ، فكأنه قال: تَضَرَّعوا تضرُّعًا.


(١) من قوله: "بجملة خبرية ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) "يقابله الاعتداء بعدم التضرع" سقطت من (ع).
(٣) انظر: "مشكل إعراب القرآن": (ص/ ٢٧٩)، و"الكشاف": (٢/ ٦٥).