للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرأت "ألفًا باءً"، جعلت هذه الحروف ترجمةً لسائر الباب (١) وعنوانًا للغرض المقصود. ولو قلتَ: قرأت "ألفًا وباءً"، لأشعرتَ بانقضاء المقروء حيث عطفتَ "الباء" على "الألف" دونَ ما بعدها (٢) فكان مفهوم الخطاب أنك لم تقرأ غير هذين الحرفين.

وأحسنُ من هذا أن يقال: دخول الواو هنا يفسد المعنى؛ لأن مراده هنا أن هذا اللفظ وحده يثبت الودّ، وهذا وحده يثبته بحسب اللقاء، فأيهما وجد مقتضيه وواظب عليه أثبت الودَّ ولو أدخل الواو لكان لا يثبت الودُّ إلا باللفظين معًا.

ونظير هذا أن تقول: أطعم فلانًا شيئًا فيقول: ما أطعمه؟ فتقول: أطعمه تمرًا أقطًا زبيبًا لحمًا، لم تُرد جمع ذلك، بل أردت: أطعمه واحدًا من هذه أيها تيسَّر. ومنه الحديث الصحيح المرفوع (٣): "تصدق رجلٌ من دِيْنَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ" (٤)، ومنه قول عمر: "صلَّى رجلٌ في إزاء ورداء في سراويلَ ورداء في تبَّان ورداء ... " الحديث (٥)، يتعين ترك العطف في هذا كله لأنَّ المراد الجمع.

فإن قيل: فما تقولون في قولهم: "اضرِب زيدًا عمرًا خالدًا"، أليس على حذف الواو؟


(١) من قوله: "يريد الاستمرار ... " إلى هنا ساقط من (ظ، ود).
(٢) من قوله: "ولو قلت ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٣) "الصحيح" من (ق)، و"المرفوع" من (ظ ود).
(٤) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم رقم (١٠١٧) وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-.
(٥) تقدم ص / ١٨٠.