للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: ليس كذلك؛ إذ لو كان على تقدير الواو لاختص الأمر بالمذكورين ولم يعدهم إلى سواهم، وإنما المراد الإشارة بهم إلى غيرهم، ومنه قولهم: "بوَّبتُ [الكتاب] (١) بابًا بابًا، وقسمت المال درهمًا درهمًا"، ليس على إضمار حرف العطف، ولو كان كذلك لانحصر الأمر في "درهمين وبابين".

وأما ما احتجُّوا به من قوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢]، فقالوا على إضمار الواو، والمعنى والتقدير: "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم وقلت: لا أجد (٢) "، والذي دعاهم إلى ذلك أن جواب "إذا" هو قوله تعالى: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [التوبة: ٩٢]. والمعنى: إذا أتوك ولم يكن عندك ما تحملهم عليه تولَّوا يبكون، فيكون الواو في "قلت" مقدَّرة؛ لأنها معطوفة على فعل الشرط وهو "أتوك"، هذا تقرير احتجاجهم ولا حُجَّة فيه؛ لأنَّ جواب "إذا" في قوله: "قلت لا أجد"، والمعنى: إذا أتوك لتحملهم لم يكن عندك ما تحملهم عليه، فعبر عن هذا بقوله: {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] لنكتة بديعة، وهي الإشارة إلى تصديقهم له، وأنهم اكتفوا من علمهم بعدم الإمكان بمجرد إخباره لهم بقوله: {لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} بخلاف ما لو قيل: لم يجدوا عندك ما تحملهم عليه، فإنه يكون سبب (٣) حزنهم خارجًا عن إخباره. وكذلك لو قيل: لم تجد ما تحملهم عليه، لم يؤدِّ هذا المعنى، فتأمله فإنه بديع.


(١) في الأصول: "الحساب"، والمثبت من "النتائج".
(٢) من قوله: "فقالوا على ... " إلى هنا ساقط من (ق ود).
(٣) (ظ ود): "تبيين".