للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسببٌ ثالث: وهو أنَّ حركة اللسان بالكلام أعظم حركات الجوارح، وأشدها تأثيراً في الخير والشر، والصلاح والفساد، بل عامَّة ما يترتَّب في الوجود من الأفعال، إنما ينشأ بعد حركة اللسان؛ فكان تقديم الصفة المتعلِّقة به أهم وأولى، وبهذا يُعْلَم تقديمه على العليم حيث وقع.

* وأَمَّا تقديم السماء على الأرض؛ ففيه معنىً آخر غير ما ذَكَره، وهو أن غالب ما تُذكر السَّموات والأرض في سياق آيات الرَّبِّ الدالة على وحدانيته وربوبيته، ومعلومٌ أنَّ الآيات في السموات أعظم منها في الأرض؛ لسَعَتها وعِظَمها، وما فيها من كواكبها وشمسها وقمرها وبروجها وعُلُوِّها، واستغنائها عن عَمَد تُقِلّها، أو علاقة ترفعها، إلى غير ذلك من عجائبها التي الأرضُ وما فيها كقطرةٍ في سَعَتها، ولهذا أمر -سبحانه- بأن يرجع الناظرُ البصرَ فيها كرَّةً بعد كرَّة، ويتأمَّل استواءَها واتساقَها وبراءَتها من الخلل والفُطُور، فالآية فيها أعظم من الأرض.

وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ -سبحانه وبحمده-.

وأَمَّا تقديم الأرض عليها في قوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [يونس: ٦١] وتأخيرها (١) عنها في (سبأ) فتأمَّل كيف وقع هذا الترتيب في (سبأ) في (٢) ضمن قول: الكفار: {لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: ٣] كيف قدَّم السموات هنا؛


(١) (ق): "وتأخرها".
(٢) (ق): "في سياق ... ".