للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقرآن مملوء من هذا، وعلى هذا فيكون في ضمن ذلك أني أسمعُ ما يردون به عليك وما يقابلون به رسالاتي، وأُبْصِرُ ما يفعلون.

ولا ريب أنَّ المخاطَبين بالرسالة بالنِّسبة إلى الإجابة والطاعة نوعان:

أحدهما: قابلوها بقولهم: صَدَقْتَ، ثمَّ عملوا بموجبها.

والثاني: قابلوها بالتكذيب، ثمَّ عملوا بخلافها، فكانت مرتبة المسموع منهم قبل مرتبة البصر، فقدّم ما يتعلَّق (١) به على ما يتعلّق بالمبصَر، وتأمَّل هذا المعنى في قوله تعالى لموسى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] هو يسمع ما يجيبهم به ويرى ما يصنعه، وهذا لا يعم سائر المواضع، بل يختصَّ منها بما هذا شأْنُه.

والسبب الثاني: أَنَّ إنكار الأوهام الفاسدة لسمع الكلام، مع غاية البعد بين السامع والمسموع، أشدّ من إنكارها لرؤيته مع بُعْدِه.

(ق/ ٢٨ ب) وفي "الصحيحين" (٢) عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثةُ نَفَرٍ؛ ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي، فقال أحدهم: أترون الله يسمعُ ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جَهَرْنا ولا يسمع إن أخفَيْنا، فقال الثالث: إن كان يسمع إذا جهرنا؛ فهو يسمع إذا أخفينا (٣).

ولم يقولوا: أترون الله يرانا؟ فكان تقديم السَّمع أهم، والحاجة إلى العلم به أمسّ.


(١) من قوله: "بموجبها ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٢) البخاري رقم (٤٨١٦)، ومسلم رقم (٢٧٧٥).
(٣) العبارة معكوسة اللفظ في (ق).