للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أَخبر به من الغيب من وراء ستوره، وهذا لكمال البصيرة، وهذا أفضل مواهب العبد وأعظم كراماته التي يُكْرَم بها، وليس بعد درجة النبوَّة إلا هي، ولهذا جعلها سبحانه بعدها فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: ٦٩] وهذا هو السِّر الذي سَبَقَ به (١) الصديقُ، لا بكثرةِ صومٍ ولا بكثرةِ صلاة، وصاحب هذا هو الذي (٢):

يمشي رُوَيداً ويجي في الأوَّل (٣)

(ظ/ ٢١ أ) ولقد تعنَّى من لم يكن سَيْره على هذه الطريق وتَشْميره إلى هذا العلم، وقد سبق من شمَّر إليه وإن كان يزحف زحفاً ويحبو حبواً، ولا تستَطِل هذا الفصل، فإنَّه أهم من ما قُصِدَ بالكلام، فليعد إليه.

فقيل: تقديم السَّمع على البصر له سببان:

أحدهما: أن يكون السِّياق يقتضيه بحيث يكون ذِكْر هاتين: الصِّفتين متضمِّناً للتهديد والوعيد، كما جرت عادةُ القرآن بتهديد المخاطَبين، وتحذيرهم بما يذكره من صفاته التي تقتضي الحذر والاستقامة كقوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٠٩] وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤]


(١) (ظ): "وهذا هو سبق"!.
(٢) "هو الذي" ليست في (ظ).
(٣) تمام البيت:
من لي بمثل سَيْرك المدلل ... تمشي رويداً وتجي في الأوّل