للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أن هذه الطائفة مشبِّهة في الأفعال مُعَطّلة في الصفات، وهدى الله الأمةَ الوَسَط لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه، فلم يقيسوه بخلقه، ولم يشبهوه بهم في شيءٍ من صفاته ولا أفعاله، ولم ينفوا ما أثبته لنفسه من ذلك، ولم يوجبوا عليه شيئًا، ولم يحرِّموا عليه شيئًا (١)، بل أخبروا عنه بما أخبر به عن نفسه في إيجاب ما أوجبه وأحقَّه على نفسه، وتحريم ما حرمه على نفسه، وشهدت قلوبُهم ما في ضمن ذلك الإيجاب والتحريم من الحِكَم (٢) والغايات المحمودة التي يستحق عليها كمال الحمد والثناء، فإن العباد لا يحصون ثناءً عليه أبدًا، بل هو كما أثنى على نفسه. وهذا كله بيِّن بحمدِ الله عند أهل العلم والإيمان، مستمرٌّ في فِطَرهم، ثابت في قلوبهم، يشهدون انحرافَ المنحرفين في الطرفين، وهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل هم إلى الله ورسوله متحيِّزون، وإلى محض سنته منتسبون، يدينون دين الحق أنى توجَّهت ركائبُه ويستقرون معه حيث استقرت مضاربه، لا تستفزّهم بَدَوات آراء المختلفين، ولا تُزَلزلهم شُبُهات المبطلين، فهم الحُكَّام على أربابِ المقالات، والمميزون لما فيها من الحق والشبهات، يردُّون على كل [قائلٍ] باطِلَه، ويوافقونه فيما معه من الحق، فهم في الحقِّ سِلْمه وفي الباطل حَرْبُه، لا يميلون مع طائفةٍ على طائفة، ولا يجحدون حقَّها لما قالته من باطل سواه، بل هم ممتثلون قولَ الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)} [المائدة: ٨].


(١) "ولم يحرموا عليه شيئًا" ساقط من (د).
(٢) من قوله: "في إيجاب ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).