للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من النُّظَّار والمتكلمين، والله الهادي إلى سواء السبيل.

واعلم أن الناس في هذا المقام ثلاث طوائف:

فطائفة: منعت أن يجب عليه شيء أو يحرم عليه شيء بإيجابه ولا تحريمه، وهم كثير من مثبتي القدر الذين ردوا أقوال (١) القدرية النُّفاة، وقابلوهم أعظمَ مقابلةٍ، نفوا لأجلها الحِكَمَ والأسبابَ والتعليل وأن يكون العبد فاعلًا أو مختارًا.

الطائفة الثانية: بإزاء هؤلاء أوجبوا على الربِّ -تعالى- وحرَّموا أشياءَ بعقولهم جعلوها (٢) شريعةً له، يجب عليه مراعاتها من غير أن يوجبها هو على نفسه ولا حرمها، وأوجبوا عليه من (ظ/ ١١٨ أ) جنس ما يجب على العباد، وحرَّموا عليه من جنس ما يحرم عليهم، ولذلك كانوا مشبِّهَةَ الأفعال، والمعتزلة منهم جمعوا بين الباطلين: تعطيل صفاته وجَحْد نعوت كماله، والتشبيه له (ق/ ١٥٥ ب) بخلقه فيما أوجبوه عليه وحرَّموه، فشبَّهوا في أفعاله وعطلوا في صِفَاتِ كماله، فجحدوا بعض ما وصفَ به نفسَه من صفات الكمال، وسموه "توحيدًا"! وشبَّهوه بخلقه فيما يحسُن منهم ويَقْبُح من الأفعال، وسمَّوا ذلك: "عدلًا"، وقالوا: نحنُ أهلُ العدل والتوحيد، فعَدْلهم: إنكار قدرته ومشيئته العامة الشاملة التي لا يخرج عنها شيء من الموجودات ذواتها وصفاتها وأفعالها، وتوحيدهم: إلحادهم في أسمائه الحسنى، وتحريف معانيها عما هي عليه، فكان توحيدهم في الحقيقة تعطيلًا، وعدلهم شركًا، وهذا مقرَّرٌ في موضعه.


(١) (ق): "قول"، والعبارة محرفة في (ظ).
(٢) سقطت من (ق).