للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأني أصوم" كان ذلك إلغاءً إبطالًا لمقصودِ الخبر، فتأمله.

وإذا كان معقولًا من الإنسان أنه يوجب على نفسِه ويحرِّم، ويأمرها وينهاها، مع كونه تحتَ أمرِ غيرِه ونهيه، فالأمر الناهي الذي ليس فوقَه آمر ولا نَاهٍ، كيف يمتنع في حقِّه أن يحرم على نفسه ويكتب على نفسه، وكتابته على نفسه سبحانه تستلزم إرادته لما كتبه ومحبته له ورضاه به، وتحريمه على نفسه يستلزم بُغْضَه لما حرَّمه، وكراهته له، وإرادة أن لا يفعله، فإن محبَّتَه للفعل تقتضىِ وقوعَه منه، وكَرَاهته لأن يفعله تمنع وقوعه منه، وهذا غير ما يحبه -سبحانه- من أفعال عباده ويكرهه، فإن محبَّة ذلك مهم لا تستلزم وقوعَه، وكَرَاهته مهم لا تمنع وقوعه، ففرقٌ بينَ فعله هو سبحانه، وبين فِعْل عبادِه الذي هو مفعوله (١) مع كراهته (٢) وبغضه له، ويتخلَّف مع محبته له ورضاه به، بخلاف فعله هو سبحانه، فهذا نوع وذاك نوع، فتدبَّر هذا الموضع الذي هو مَزَلَّة أقدام الأولين والآخرين إلا من عصمه الله وهداه إلى صراط مستقيم (٣). وتأمل أين تكون محبته وكراهته موجبة لوجود الفعل ومانعةً من وقوعه، وأين تكون المحبة منه والكراهة لا توجب وجود الفعل ولا تمنع وقوعه.

ونكتة هذه المسألة: هو الفرق بين ما يريد أن يفعله هو سبحانه، وما لا يريد أن يفعله، وبين ما يحبه من (٤) عبده أن يفعله العبد أو لا يفعله، ومن حقَّق هذا المقام زالت عنه شُبُهات ارتبَكَت فيها طوائفُ


(١) "هو مفعوله" في المنيرية: "يقع".
(٢) من قوله: "وبين فعل ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٣) (ق): " ... بعصمته وهداه إلى صراطه المستقيم".
(٤) (ق): "ما يحب ... ".