للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمنعَ هو من باب الطلب؛ لأن الحضَّ والمنع طلبٌ. ومن هذا ما أخبرَ به أنه لابدَّ أن يفعله لسبق كلماته به؛ كقوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)} [الصافات: ١٧١ - ١٧٣]، وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)} [هود: ١١٩]، وقوله: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [هود: ١١٠]، فهذا إخبار عما يفعله ويتركه أنه لسَبْقِ كلمته به فلا يتغير.

ومن هذا تحريمه سبحانه ما حرَّمه على نفسِه، كقوله تعالى فيما يرويه عنه رسوله: "يا عِبَادي إِنى حرَّمتُ الظلمَ على نَفْسي وجعلتُه بينكُمْ مُحَرَّمًا" (١)، فهذا التحريم نظير ذلك الإيجاب، ولا يُلْتفت إلى ما قيل في ذلك من التأويلات الباطلة، الذي يَجْزم الناظر (٢) في سِيَاق هذه المواضع ومقصودها [ببُعْد] المراد منها (٣)، كقول بعضهم: إن معنى الإيجاب والكتابة في ذَلك كلِّه هو إخباره به، ومعنى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤]، أخبرَ بها عن نفسه، وقوله: "حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسي" أي: أحْبرتُ أنه لا يكون، ونحو ذلك مما يتيقن المرءُ أنه ليس هو المراد بالتحريم، بل الإخبار هاهنا هو الإخبار بتحريمه وإيجابه على نفسه، فمتعلَّق الخبر هو التحريم والإيجاب، ولا يجوز إلغاءُ متعلَّق الخبر، فإنه يتضمَّن إبطال الخبر. ولهذا إذا قال القائل: "أوجبتُ على نفسي صومًا"، فإن متعلَّقه وجوب الصومِ على نفسِه، فإذا قيل: (ق / ١٥٥ أ) إن معناه: "أخبرتُ


(١) أخرجه مسلم رقم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه-.
(٢) (ق): "النظر".
(٣) العبارة محرفة في الأصول، وهي في "المنيرية": "فإن الناظر في سياق هذه المواضع ومقصودها به ويجزم بِبُعد المراد منها".