للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو أحقَّه على نفسِه، لا أنهم هم أوجبوه ولا أحقُّوه، بل أحق على نفسه أن يجيبَ من سأله، كما أحقَّ على نفسِه في حديث معاذ أن لا يعذِّب من عبدَه، فحقُّ السائلين عليه أن يجيبَهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، والحقَّان هو الذي أحقَّهما وأوجبهما لا السائلون ولا العابدون، فإنه سبحانه:

مَا للعبادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ ... كَلَّا وَلا سَعْي لَدَيْهِ ضَائِعُ

إِنْ عُذِّبوا فَبِعدْلِهِ أَوْ نُعِّموا ... فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الكريمُ الوَاسِعُ

ومنه قوله تعالى: {حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، فهذا الوعد هو الحق الذي أحقَّه على نفسه وأوجبه. ونظير هذا ما أخبر به سبحانه من قسمه ليفعلنه نحو قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٩٢]، وقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: ٦٨] وقوله: {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)} [إبراهيم: ١٣] وقوله: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)} [ص: ٨٤، ٨٥]، وقوله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)} [آل عمران: ١٩٥]، وقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)} [الأعراف: ٦]، إلى أمثال ذلك مما أخبر أنه يفعله إخبارًا مؤكَّدًا بالقَسَم، والقسمُ في مثل هذا يقتضي الحضَّ والمنعَ بخلاف القَسَم على ما فعله تعالى مثل قوله: {يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)} [يس: ١ - ٣]، والقسم على ثبوت ما ينكره المكذبون، فإنه توكيد للخبر، وهو من باب القسم المتضمن للتصديق، ولهذا تقول الفقهاء: اليمين ما اقتضى حضًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، فالقسم الذي يقتضي الحضَّ