للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعطف بها (١) بعد الإيجاب، كما تقول: جاءني زيد لا عَمْرو، وجاءني العالم لا الجاهل، وأما "غير" فهي تابع لما قبلها، وهى صفةٌ ليس إلَّا، كما سيأتي.

وإخراج الكلام هاهنا مخرج الصفة أحسن من إخراجه مخرج العطف، وهذا إنما يُعلم إذا عُرِف فَرْق ما بين العطف في هذا الموضع وبين الوصف، فتقول: لو أخرج الكلام مخرج العطف، وقيل: "صراط الذين أنعمت عليهم لا المغضوب عليهم"، لم يكن في العطف بها أكثر من نفي إضافة الصراط إلى المغضوب عليهم، كما هو (٢) مقتضى العطف، فإنك إذا قلتَ: جاءني العالم لا الجاهل، لم يكن في نفي العطف أكثر من نفي المجيء عن الجاهل وإثباته للعالم، وأما الإتيان بلفظ "غير" فهي صفة لما قبلها، فأفاد الكلام معها، وصفهم بشيئين؛ أحدهما: أنهم مُنْعم عليهم، والثاني: أنهم غيرُ مغضوبٍ عليهم، فأفاد ما يفيدُ العطف مع زيادة الثناء عليهم ومدحهم، فإنه يتضمَّن صفتين: صفة ثبوتية وفي: كونهم مُنْعَمًا عليهم (٣)، وصفة سلبية وهي: كونهم غير مستحقين لوصف الغضب، وأنهم مغايرون لأهله. ولهذا لما أريد بها هذا المعنى جرت صفة على المُنْعَم عليهم ولم تكن منصوبةً على الاستثناء؛ لأنها يزول منها معنى الوصفية المقصود.

وفيه فائدة أخرى: وهى: أنَّ أهل الكتاب من اليهود والنصارى ادعوا أنهم هم المُنْعَم عليهم دون أهل الإسلام، فكأنه قيل لهم: المُنْعَم عليهم غيركم لا أنتم، وقيل للمسلمين: المغضوب عليهم


(١) (ق): "بعدها".
(٢) سقطت من (ق).
(٣) من قوله: "ومدحهم ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).