للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتارة بحَذْف فاعله كقوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)} [الجن: ١٠] فحذفوا فاعل الشر ومريده وصرَّحوا بمريد الرشد.

ونظيره في الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٧] , فذكر النعمة مضافة إليه سبحانه, والضلال منسوبًا إلى من قام به, والغضب محذوفًا فاعله. ومثله قول الخَضر في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩] وفي الغلامين: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: ٨٢].

ومثله قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: ٧] فنسب هذا التَّزيينَ المحبوبَ إليه, وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: ١٤] فحذف الفاعلَ المُزَيِّن.

ومثله قول الخليل - صلى الله عليه وسلم - {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)} [الشعراء: ٧٨ - ٨٢] فنسب إلى ربِّه كل كمال من هذه الأفعال, ونسبَ إلى نفسه النقصَ منها وهو المرضُ والخطيئةُ.

وهذا كثير في القرآن الكريم, ذكرنا منه أمثلةً كثيرةً في كتاب "الفوائد المكية" وبيّنا هناك السِّرَّ في مجيء: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: ١٢١] {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: ١٠١] والفرق بين الموضعين, وأنه حيث ذكر الفاعل كان من آتاه الكتاب واقعًا في سياق المدح,