للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي يدلُّ على هذا: أنا رأينا الجماعةَ تَسْقطُ عند المطر الذي يبلُّ النعال، فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي: "ألا صَلّوا في رِحَالِكُمْ" (١)، والجمعةُ تسقطُ بخشية فوات (٢) الخبز الذي في التَّنُور، مع كون الجماعة شرطًا فيها، وتسقطُ: خشية مصادفة غريمٍ يؤذيه. ومعلومٌ أن عذرَ الحرب ومواقَفَةَ (٣) الكفار أعظمُ من هذا كله، ومع هذا فأقيم شعارُها في تلك الحال، فدلَّ على أن المقصود ما ذكرنا.

قلت: ونحن لا ننكِرُ أن هذا مقصودٌ أيضًا مضمومٌ إلى مقصود الجماعة، فلا منافاةَ بينه وبين وجوبِ الجَماعة، بل إذا كان هذا أمرًا مطلوبًا فهو من أدلِّ الدلائل على وجوب الجماعة في (ق/٢٦٩ ب) تلك الحال، ومع أن هذا مقصود أيضًا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراءَ إمامهم، وأسباب العبادات التي شرعت لأجلها لا يشرَطُ دوامُها في ثبوت تلك العبادات، بل تلك العباداتُ تستقرُّ وتدومُ، وإن زالت أسباب مشروعيَّتها. وهذا كالرَّمَل في الطَّواف والسَّعي بين الصَّفا والمروة.

ونظير هذا اعتراضهم على أحاديث الأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة، بأن المقصودَ بها الإعلام بجواز العُمرة في أشهر الحجِّ مخالفة للكفار. فقيل لهمك وهذا من أدلِّ الدلائل على استحبابه ودوام مشروعيته، فإن ما شُرِع من المناسك قصدًا لمخالفة الكفار فإنه دائمُ المشروعيَّة إلى يوم القيامة. كالوقوف: بعَرفة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالَفَهُم ووقف بها وكانوا


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٣٢)، ومسلم رقم (٦٩٧) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
(٢) (ع): "بفوات".
(٣) (ع): "ومواقفته".