للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعْتُرِض على ذلك: بأن الواجبَ قد يسقط لغير الواجب، بل لغير المستحَبِّ، فإن شطر الصلاة يسقطُ لسفر الفُرْجة والحجارة، ويسقط غسلُ الرجلين لأجل لبس الخُفِّ، وغايتُهُ أن يكون مباحًا.

وهذا الاعتراضُ فاسدٌ؛ فإن فرض المسافر ركعتين، فلم يسقطِ الواجبُ لغيرِ الواجب، وأيضًا فإنه لا محذورَ في سقوط الواجب لأجل المباح، وليس الكلامُ في ذلك، وإنما المستحيلُ أن يُراعى في العبادة أمرٌ مستحبٌّ يتضمَّن فواتَ الواجب، فهذا هو الذي لا عهدَ لنا في الشريعة بمثله ألبتةَ، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخُفِّ.

واسْتُدِلَّ على وجوبها: بأن الله تعالى أمَرَ بها في صلاة الخوف التي هي محل التخفيف، وسقوط ما لا يسقطُ في غيرها، واحتمالُ ما لا يحتمل في غيرها، فما الظن بصلاة الآمنِ المقيم؟!

فاعْتُرِض على ذلك: بأن المقصودَ الاجتماعُ في صلاة الخوف، فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار (١) دينهم، ولاسيما حيث كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان المقصودُ أن يظهروا للعدوِّ طاعةَ المسلمين له، وتعظيمهم لشأنه، حتى إنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتَّبعونه ولا يتفرَّقون عنه ولا يفارقونه بحالٍ، وهذا كما جرى لهم في عُمْرة القضاء معه حتى قال عرْوَةُ بن مسعود: لقد وفَدْتُ على الملوك -كسرى وقيصر- فلم أرَ ملِكًا يعظِّمُهُ أصحابُة ما يُعَظِّمُ محمدًا أصحابُهُ (٢).


(١) (ع): "شعائر".
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٦٩٤) من حديث المِسوَر -رضي الله عنه- في قصة الحديبية.