للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النجاسة، فلو أعطيتم الأدِلَّةَ حقَّها لعلمتُم تَوَافُقَها وتَصَادُقَها، لا تناقُضَها واختلافَها.

وأما أمر ابن عباس بغسله؛ فقد ثبت عنه أنه قال: إنما هو بمنزلة المُخاط والبُصاق، فأمِطْه عنك ولو بإذْخِرَةٍ، وأمره بغسله للاستقذار والنَّظافة، ولو قُدِّر أنه للنَّجاسة عندَه، وأن الرواية اختلفت عنه، فتكون مسألة خلاف بين (١) الصحابة، والحجَّةُ تفصلُ بين المُتنازعين، علي أنَّا لا نعلمُ عن صحابيٍّ واحدٍ أنه قال: إنه نَجِسٌ ألبتة، بل غاية ما يروونه عن الصحابة غَسْلَه فعلًا وأمرًا، وهذا لا يستلزمُ النجاسة، ولو أخذتمُ بمجموع: الآثار عنهم لدلَّت على جواز الأمرين: غسله للاستقذار، والاجتزاء بمسحه رَطْبًا وفركِهِ يابسًا كالمُخاط.

وأما قولكم: ثبتَ تسميةُ المَنِيِّ أذى؛ فلم يثبت (٢) ذلك، وقول أم حبيبة: "ما لم يَرَ فيه أذَىً"، لا يَدُلُّ على أن مرادَها بالأذى المَنِيُّ، لا بمطابقةٍ ولا تضمُّنٍ ولا التزام، فإنها إنما أخبرت بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُصَلِّي في الثوب الذي يضاجعُها فيه ما لَمْ يُصِبْه أذى ولم تَزِدْ.

فلو قال قائل (٣): المُراد بالأذى دمُ الطمث؛ لكان أسعدَ بتفسيره منكم. وكذلك تركه الصلاة في لُحف نسائه، لا يدلُّ على نجاسة المَنِيِّ ألبتة، فإن لحافَ المرأة قد يصيبهُ من دم حيضِها وهي لا تشعرُ، وقد يكون التَّرْك تَنَزُّهًا عنه، وطلب الصلاة على ما هو أطيبُ منه وأنظفُ، فأين دليلُ التنجيس؟!


(١) (ظ): "عند".
(٢) (ق): "فلو ثبت"!.
(٣) من (ع).