للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محسوسًا أذاهُ له، لكنَّ الغرقَ والمضرَّة معلومةٌ، والحسُّ يغلب على العلم.

يبيِّنُ هذا ما يُشَاهَدُ من الضرب والوَخْز للإنسان الذي قد نُصِبَتْ له خشبة ليصْلَبَ عليها، أو حُفِرَ له بئرٌ ليلْقَى فيها، فإنه يتقدَّمُ إلى الخَشَبة والبئر؛ لأن الضَّرَر فيها ليس بِمُحَسٍّ، والوخزُ بالسِّنان (١) والضرب مُحَسٌّ فهو إضرار ناجزٌ واقع، وإذا أردت أن تعلمَ ذلك فانظر إلى وقوف الحيِّ وجنوحه عن التحرّك، إذا تكافأ عنده الأمرانِ في الحِسِّ والعلم.

بيانُه: إنسانٌ هجم عليه سَبُعٌ على حرف نَهَرٍ جار عميقٍ، وهو لا يُحْسِنُ السِّباحةَ، فإنه لا محالةَ يتحرك نحو الماء راميًا نفسَهُ لأجل إلجاء السَّبُعِ له وهجومه عليه، فلو هجم عليه من قِبل وجهه سَبُعٌ، فالتفتَ فإذا وراءه سَبُعٌ آخرُ، وهما متساويان في الهجوم عليه، لم يَبْق للطبع مهربٌ، وتوازن (٢) المكروهاتُ، فإنه يَقِف مستسلمًا صامدًا للبلاء، وكذلك تكافُؤ كفَّةِ الميزان.

قلت: هذا صحيح من جهة الوَهْم والدَّهَش، وإلا فلو كان عقلُه حاضرًا معه، لَتكَافَأ عندَهُ الأمران: المحسوس والمعلوم، وكثيرًا ما يحضرُ الرجل عقلَه إذ ذاك فيتكافأُ عنده (٣) المحسوس والمعلوم، فيستسلمُ لما لا صُنْعَ له فيه، ولا يعِينُ على نفسه، (ق/٢٦٤ أ) ويحكم عقله على حِسِّه، ويعلمُ أنه إن صبر كان له أجرُ مَنْ قُتِلَ، ولم يُعِنْ


(١) (ظ): "بالإنسان".
(٢) (ق): "وتوارت"، والمطبوعة: "وتوازنت".
(٣) (ع) زيادة: "الأمران".