للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبصارَ العيون، والذي يُبْصِرُهُ القلبُ هو الذي يعقلُه؛ لأنها نزلت في قوم من اليهود كانوا يستمعون كلامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقفون على صحَّتِهِ ثم يكذبونه، فأنزل الله فيهم: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} أي: المُعرضين، {وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} بعين نقص (١)، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} أي: المعرضين، {وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) قال: ولا حجَّة في تقديم السَّمع على البصر هنا، فقد أخبر في قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} [هود: ٢٤].

قلت: واحتجَّ مفضلوا السمع بأن به ينال غايةَ السعادة منْ سمع كلام الله وسماع كلام رسوله. قالوا: وبه حصلتِ العلومُ النافعة. قالوا: وبه يدْرَكُ الحاضرُ والغائبُ، والمحسوسُ والمعقولُ، فلا نسبةَ لمدْرَكِ البصَر إلى مدْرَكِ السَّمع. قالوا: ولهذا يكون فاقدُه أقلَّ علمًا من فاقد البَصرَ، بل قد يكون فاقدُ البصر أحدَ العلماء الكبار، بخلاف فاقد صفة السمع، فإنه لم يُعْهَد من هذا الجِنس عالمٌ ألبتة.

قال مفضلوا البصر: أفضلُ النعيم النظرُ إلى الرَّبِّ تعالى وهو يكون بالبصر، والذي يراه البصرُ (٢) لا يقبل الغلطَ، بخلاف ما يُسْمعُ (٣) فإنه يقعُ فيه الغلط والكَذِب والوهم، فمدْرَكُ البصرِ أتمُّ وأكملُ. قالوا: وأيضًا فمحله أحسن وأكملُ وأعظمُ عجائبَ من محل السَّمع؛ وذلك لشرفه وفضله.

قال شيخنا: والتحقيق أن السمع له مزِيَّةٌ والبصر له مزية، فمزيةُ السمع العموم والشمول، ومزيَّة البصر كمال الإدراك وتمامه، فالسمع


(١) (ع): "نقصان".
(٢) (ع): "البصير".
(٣) (ع): "السمع".