للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقضاء والقدر، يشدَّد على العبد أولاً ثم يخفَّف عنه، وحكمة هذا تسهيل الثاني بالأول، في تلقِّي الثاني بالرِّضى، وشهود المِنَّة والرحمة.

وقد يفعل الملوكُ ببعض رعاياهم قريبًا من هذا، فهؤلاء المُصَادَرُونَ يُطْلَبُ منهم الكَثِيرُ جدًّا الذي ربما عَجَزوا عنه، ثم يحُطُّونَه إلى ما دونَه لِتُطَوِّعَ لهم أنفسُهم بذلَهُ ويَسْهُلَ عليهم.

وقد يفعل بعض الحمَّالين قريبًا من هذا، فيزيدون على الحمل أشياء لا يحتاجون إليها، ثم يحُطُّ تلك الأشياء فيسهل حملُ الباقي عليهم.

والمقصود: أنَّ هذا باب من الحكمة خَلْقًا وأمرًا، ويقعُ في الأمر والقضاء والقدر أيضًا ضد هذا، فينقل عبادَهُ بالتَّدريج من اليسير إلى ما هو أشدُّ منه؛ لئلا يفجَأَها الشديدُ بغتةً، فلا تحتملُه ولا تنقادُ له، وهذا لتدريجهم في الشَّرائع شيئًا بعد شيء، دون أن يؤمروا بها كلِّها وهلةً (١) واحدةً، وكذلك المحرَّمات.

ومن هذا: أنهم أُمروا بالصلاة أولاً ركعتين ركعتين فلما (ظ/ ١٩٤ أ) أَلِفُوها زيد فيها ركعتين أخريين في الحَضَر (٢).

ومن هذا: أنهم أُمروا أولاً بالصيام وخُيِّروا (ق/ ٢٧٨ أ) فيه بين الصَّوم عينًا، وبين التَّخيير بينه وبين الفدية، فلما أَلِفُوه أُمروا بالصَّوْم عينًا (٣).


(١) (ع): "وهذه".
(٢) أخرجه البخارى رقم (٣٥٠)، ومسلم رقم (٦٨٥) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٣) كما في سورة البقرة الآيات (١٨٤ - ١٨٥).