وقال بعضهم بل تطلَّقُ بذلك اكتفاءً بدلالة الحال، على أنه إنما أراد بذلك إجابَتَها إلى ما سألته من طلاقها المُراد لها، فأوقعه معلِّقًا له بإرادتها التي أخبرتْهُ بها، هذا هو المفهوم من الكلام لا يفهمُ الناسُ غيره.
وقال ابنُ عَقِيل: ظاهرُ الكلام ووضعُه يدُلُّ على إرادة مستقبلَةٍ، ودلالةُ الحال تدُلُّ على أنه أراد إيقاعَه لأجل الإرادة التي أخبرته بها، ولم يَزِدْ.
قلت: وكأنه ترجيجٌ منه للوقوع اكتفاءً بدلالة الحال، على ما هو المعهود من قواعد المذهب، ولفظ الشرط (١) في مثل هذا لا يستلزمُ الاستقبال.
وقد جاء مُرادًا به المشروط المقارن للتعليق، وهو كثيرٌ في أفصحِ الكلام، كقوله تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ١]، وقوله:{وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[النحل: ١١٤]، وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨)} [الأنعام: ١١٨] وقول مريم: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨)} [مريم: ١٨] وهو كثيرٌ جدًّا.
ولما كان متلُوّ أداة الشرط في هذا لا يُرَادُ به المستقبلُ بل يُرادُ الحال والماضي؛ قال بعضُ النُّحَاة: إن "إن" فيه بمعنى "إذ" التي تكون للماضي، وقال غيرُه: إنها للتعليل. والتحقيق فيها (ق/ ٢٧٨ ب) أنها للشرط على بابها، والشرط في ذلك داخل على الكون المستمر، المطلوبِ دوامُه واستمرُاره، دونَ تقيده بوقتٍ دونَ وقت، فتأمَّلْه.