للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من لم يَتبع بمنقاش العدل شَوْكَ الظلم من أيدي التَّصرف، أثَّرَ ما لا يُؤمَنُ تَعَدَيهِ إلى القلب، يا أربابَ الدّوَل لا تعَرْبِدوا في سُكْر القُدْرة، فصاحبُ الشرطةِ بالمَرصاد.

سليمان الحكم قد حبس آصِفَ العقوبة في حصن: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)} [مريم: ٨٤]، وأجرى رَحَى الرخا: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: ١٦٥]، فلو هبت سموم الجزاء من مَهَبِّ: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} [الأنبِاء: ٤٦]، قلعت سكر: {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} [آل عمران: ١٧٨]، (ق/ ٢٩٩ أ) فإذا طوفَانُ التَّلَفِ ينادي فيهم: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: ٤٣]. فالحذر {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦] [الزمر: ٥٦).

وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيتَ؟ فإنك لا تلقى كَدَرًا إلاّ من طريق جناية (١): {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠].

كان لبَّانٌ يشُوب الماءَ باللَّبن، فجاء سيلٌ فذهب بالغنم، فجعل يبكي (٢)، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القَطَرَاتُ فصارت سيلًا، ولسانُ الجواءِ يناديه: "يداكَ أوْكَتا وفوكَ نَفَخَ".

اذكر غفلتك عن الآمر والأمرُ وقت الكسب، ولا تنسَ اطِّراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انْقَضَّ عاصِفٌ فسمعتَ صوت سوطِهِ يضرب عقد الكسب جزاء لخيانَةِ العقودَ، فلا تستعظمْ ذاك فأنتَ الجاني، والبادءُ أظَلمُ (٣).


(١) (ق): "خيانة".
(٢) "فجعل يبكي" ليست في (ع).
(٣) هنا انتهى الانتقاء والنقل من كتاب "المدهش" لابن الجوزي.