للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدُهما: أن يكون المحظور محرَّمًا لعينه، كالدَّم والبول والخمر والميتة.

والثاني: أن يكون محرَّمًا لكسبه (١) لا أنه حرامٌ في عينه، كالدِّرْهَم: المغضوب مثلًا، فهذا: القسم الثاني لا يوجبُ اجتنابَ الحلال ولا يُحرِّمه ألبتَّةَ، بل إذا خالط مالَه درهَمٌ حرامَ أو أكثر منه أخرجَ مقدارَ الحرام وحلَّ له الباقي بلا كراهة، سواء كان المخرَجُ عينَ الحرام أو نظيرَة؛ لأن التحريمَ لم يتعلقْ بذات الدرهم وجوهره، وإنما تعلَّقَ بجهة الكسب فيه، فإذا خرج (٢) نظيرُه (٣) من كلِّ وجه لم يبقَ لتحريم ما عَدَاه معنى، هذا هو الصحيحُ في هذا النوع، ولا تقوم مصالح الخَلْق إلا به.

وأما القسمُ الأول وهو: الحرام لعينهِ كالدَّمِ والخمر ونحوهما، فهذا إذا خالط حلالًا وظهر أثرهُ فيه حَرُمَ تناول الحَلال، ولا نقول: إنه صَيرَ الحَلالَ حرامًا، فإن الحلالَ لا ينقلبُ حرامًا ألبتة ما دام وصفه باقيًا، وإنما حَرم تناولُه لأنه تعذر الوصولُ إليه إلا بتناول الحرام فلم يَجز تناولُه، وهذه العلة بعينها منصوصةٌ للإمام أحمد، وقد سئل: بأي شيءِ يحرم الماءُ إذا ظهرتْ فيه النجاسة؛ فأجاب بهذا، وقال: حرَّم الله تعالى الميْتةَ والدَّمَ (ظ / ٢١٢ ب) ولحمَ الخِنزير، فإذا خالطتْ هذه الماءَ فمتناولُهُ كأنْ قَد تناوَل هذه الأشياء، هذا معنى كلامه، هذا (ق / ٣٠٤ أ) إذا ظهر أثر المخالِط.

فلو استُهلِكَ ولم يظهرْ أثرُه، فهنا معتركُ النِّزال وتلاطم أمواج


(١) (ق): "لسبيه".
(٢) (ق): "أُخْرج".
(٣) من قوله: "لأن التحريم: ... " إلى هنا ساقط من (ظ).