للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثالث: أنه قد سقطَ عنه فرض الاستقبال في هذه الحال، فيصلي حيث شاءَ، وهذا مذهبُ أبي محمد بن حزم (١)، واحتجَّ بأن الله تعالى إنما فرضَ الاستقبال على العالِم بجهةِ الكعبة القادر على التَّوجه إليها، فأما العاجز عنها فلم يفرضِ الله عليه التَّوجُّهَ إليها قط، فلا يجوزُ أن يلْزَمَ بما لم يُلْزِمْا الله ورسولُه به، وإذا لم يكنْ التَّوَجه واجبًا عليه لأن وجوبَه مشروط بالقُدْرة، صلَّى إلى أيِّ جهة شاءَ، (ظ / ٢١٣ أ) كالمسافر المتطَوِّع، والزَّمِن الذي لا يمكنه التَّوَجُّه إلى جهة القِبلة.

قلت: وهذا القول أرجحُ وأصحّ من القول بوجوب أربع صلوات عليه، فإنه إيجابُ ما لم يوجبْهُ اللهُ ورسوله، ولا نظيرَ له في إيجابات (٢) الشارع ألبتة، ولم يُعْرف في الشريعة موضعٌ واحد أوجب اللهُ على العبد فيه أن (ق / ٣٠٥ أ) يوقعَ الصلاة ثم يُعيدها مرة أخرى، إلا لتفريط في فعلها أولًا كتارك الطُّمَأْنينة، والمصلِّي بلا وضوء، ونحوه، وأما أن يأمرَهُ بصلاة فيصليها بأمره، ثم يأمرُهُ بإعادتها بعينها؛ فهذا لم يقعْ قطُّ، وأصول الشريعة تردُّه، وقياسُ هذه المسألة على مسألة الثياب وناسي صلاة من يوم = قياس لمختلَفِ فيه على مثلِهِ، وهل الكلام إلا في تَينَكِ المسألتين أيضًا؟! فلو أن حكمهما ثَبَتَ بكتاب أو سنَّة أو إجماع لكان في القياس عليهما ما فيه، بل لم يكنْ صحيحًا؛ لأن جهة الفرق إما مساويةٌ لجهة الجمع أو أظهر، وعلى التَّقديرين فالقياس مُنْتَفٍ.

يبقى النظرُ في ترجيح أحد قولي الاجتهاد والتخيير في مسألة


(١) "المحلى": (٣/ ٢٢٨).
(٢) (ع): "إيجاب".