للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر أبو عمر (١) عن ابن عُيَيْنَةَ وسُحنون: "أجسرُ النَّاسِ على الفُتْيا أَقَلُّهم علمًا".

وكان مالك يقول: من أجاب في مسألة فينبغي من قبل أن يجيبَ فيها أن يعوضَ نفسه على الجنَّة أو النَّار، وكيف يكونُ خلاصُه في الآخرة.

وسُئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: إنها مسألةٌ خفيفةٌ سهلةٌ، فغضب وقال: ليس في العلم شيءٌ خفيفٌ، ألم تسمعْ قوله جل ثناؤه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل: ٥] فالعلمُ كلُّه ثقيلٌ وخاصَّة ما يسأل عنه يومَ القيامة.

وقال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصعُبُ عليهم المسائلُ ولا يُجيبُ أحدُهم في مسألة حتى يأخذَ رأيَ أصحابه (٢)، مع ما رُزقوا من السَّداد والتوفيق مع الطهَّارة، فكيف بنا الذين غطَّتِ الخطايا والذنوبُ قلوبَنا؟!.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: جاء رجلٌ إلى مالك يسألُه عن شيء أيامًا ما يُجيبهُ، فقال: يا أبا عبد الله إني أريدُ الخروجَ، وقد طال التَّرَدُّدُ إليك، فأَطْرَق طويلًا، ثم رفع رأسه، وقال: ما شاء الله يا هذا، إني إنما أتكلمُ فيما أحتسبُ فيه الخيرَ، ولستُ أُحْسِنُ مسألتَك هذه (٣).

وسُئِلَ الشافعيُّ عن مسألة فسكت، فقيل له: ألا تجيبُ يرحمُك اللهُ؟ فقال: حتى أدريَ الفضل في سكوتي أو في الجواب.


(١) في "الجامع": (٢/ ١١٢٤ - ١١٢٥).
(٢) (ع وظ): "صاحبه".
(٣) أخرجه البيهقي فى "المدخل": (ص/ ٤٣٧).