للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وهذا الاعتراضُ في غايةِ الفساد، فإن الشَّكَّ في عدم المانع إنما لم (١) يؤثِّرْ إذا كان عدمُه مستصْحَبًا بالأصل، فيكونُ الشَّكُّ في وجودِه ملغىً بالأصلِ فلا يؤثِّرُ الشَّكُّ، ولا فرقَ بيَنه وبينَ الشَّرط في ذلك، فلو شكَكْنا في إسلام الكافِرِ وعِتْقِ العبد عندَ الموت، لم نُوَرِّثْ قريبَهُ المسلمَ منه، إذا الأَصل بقاءُ الكفر والرِّقِّ، وقد شككنا في ثُبوتِ شرطِ التَّوريثِ.

وهكذا إذا شككنا في الرِّدَّة أو الطلاق لم يمنع الميراث؛ لأن الأصل عَدَمُهُما، ولا يمنعُ كون عدمهما شرطًا ترتُّب الحكم مع الشَّكِّ فيه؛ لأنه مستندٌ إلى الأصل، كما لم يمنع الشك في إسلام الميِّت الذي هو شرطُ التوريث منه؛ لأن بقاءَهُ مستَنِدٌ إلى الأصل، فلا يمنعُ الشك فيه من ترتب الحُكْم، فالضابطُ: أن الشَّكَّ في بقاء الوصف على أصله، أو خروجه عنه لا يؤثِّرُ في الحكم استنادًا إلى الأصل، سواءٌ كان شرطًا أو عدم مانع، فكما لا يمنعُ الشَّكُّ في بقاء الشرط من ترتب الحكم، فكذلك لا يمنعُ الشَّكُّ استمرارَ عدم المانع من ترتُّب الحُكم، فإذا شككنا هل وُجِد مانع الحكم أم لا؟ لم يمنع من تَرَتُّب الحكم ولا من كون عدمِهِ شرطًا؛ لأن استمرارَهُ على النفيِ الأصليِّ يجعلُه بمنزلة العَدَم المحقَّقِ في الشَّرْع، وإن أمكنَ خلافُه، كما أن استمرارَ الشرط على ثُبوته الأصلي يجعلُه بمنزلة الثابت المحقق شرعًا، وإن أمكن خلافُه (٢)، فعلم أن إطلاق الفقهاء صحيحٌ، واعتراض هذا المعترض فاسدٌ.

ومما يُبيِّنُ لك الأمرَ اتِّفاقُ الناس على أنَّ الشرط ينقسمُ إلى


(١) سقطت من (ق).
(٢) (ق): "ما لم يُعْلَم".