للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعلمه واستخلافه في الأرض، وبأن الله -سبحانه- وصفَها بأن جعلها محلَّ بركاته عمومًا وخصوصًا، فقال: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: ١٠]، ووصف الشامَ بالبَرَكة في ستِّ آيات، ووصف بعضَها بأنَّها مقدَّسة، ففيها الأرضُ المباركة والمقدسة والوادي المقدَّس، وفيها بيته الحرام ومشاعرُ الحجِّ والمساجد التي هي بيوته سبحانه، والطور الذي كلَّم عليه كليمَه ونجيَّه. وإقسامه سبحانه بالأرض عمومًا وخصوصًا أكثر من إقسامه بالسماء، فإنَّه أقسَم بالطُور والبلدِ الأمينِ والتينِ والزيتونِ، ولما أقسم بالسَّماء أقسَمَ بالأرض معها، وبأنه سبحانه خَلَقَها قبل خلق السماء (١) كما دلَّت عليه سورة (حم السجدة) وبأنها مهبِطُ وحيه ومستقرُّ كتبه ورسله، ومحلُّ أحبِ الأعمال إليه، وهو الجهادُ والصَّدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومُغايظة أعدائه ونصر أوليائه، وليس في السماء من ذلك شيءٌ، وبأنَّ ساكنيها من الرسل والأنبياء والمتَّقين أفضلُ من سكَّان السماء من الملائكة، كما هو مذهبُ أهل السنة، فمسكنُهم أشرف من مسكن الملائكة، وبأن ما أودع فيها من المنافع والأنهار والثمار والمعادن والأقوات والحيوان والنبات مما هو من بركاتها لم يودَع في السَّماء مثلُه، وبأن الله سبحانه قال: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)} [الذاريات: ٢٠] ثم قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)} [الذاريات: ٢٢] فجعل الأرضَ محلَّ آياته والسماءَ محلَّ رزقه، فلو لم يكن فيها إلَّا بيتُهُ وبيتُ (٢) خاتَم أنبيائه ورسله حيًا وميتًا، وبأن الأرض جعلها الله قرارًا وبساطًا ومهادًا وفراشًا، وكِفاتًا، ومادَّة للسَّاكن؛ لملابسه


(١) (ق وظ): "الأرض" والمثبت من (ع) وحاشية (ظ).
(٢) (ق): "فإن لم يكن فيها إلا بنية خاتم"!.