للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يدلُّ على أن لفظَ الشهادة غيرُ مُشْتَرط قولُهُ تعالى {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: ١٥٠] ومعلومٌ قطعًا أنَّه لم ينكرْ عليهم إلّا مُجَرَّدَ قولهم: إن الله حَرَّمَ هذا، لم يخصَّ الإنكار بقول من قال: نشهدُ أن الله حَرَّمَه (١)، ولا نهى رسوله أن يتلفَّظَ بالشَّهادةِ على التَّحريم، بل هو نهيٌ له أن يقولَ (٢): إن الله حَرَّمَه.

* رجلٌ قال لعبده: إذا فرغت من هذا العمل فأنت حُرٌّ، وقال: أردتُ أنَّك حرٌّ من العمل؟

أجاب ابن عَقِيل وأبو الخطَّاب وابن الزاغوني: لا يُقبل قولُه في ظاهر الحكم، وأمَّا ما بيْنهُ وبَيْنَ الله فيُحتَمَلُ.

قلت: أما التَّوقُّفْ لكونه يُدَيَّن (٣) فلا وجه له، فإنَّه إذا أراد بلفظِه ما يحتملُهُ ولم يخطرْ بقلبه العِتْق، وليس هناك قرينةٌ ظاهرةٌ تكذبُهُ فهو أعلم بنيَّتِهِ ومرادِهِ، وقد قال أحمد في رواية بشر بن موسى في الرجل يكتبُ إلى أخيه: أعتقْ جاريتي فلانة، ويريد أن يتهدَّدها بذلك، وينوي التَّصْحِيف: أكره ذلك ولا يُخبِرُه (٤) وهو عَبَثٌ، فيهدِّدها ويَسَعُه في ما بينه وبينَ الله أن يبيعَها والقاضي يفرِّقُ بينهما.

قلت: مرادُهُ بالتَّصحيفِ التعريض، وكأنه تصحيفٌ للمعنى، وهو العدول باللفظ عن معناه الموضوع له، وقد قال في رواية أبي الحارث إذا


(١) (ظ): "حرم هذا".
(٢) (ظ): "هو بمنزلة يقول"!.
(٣) (ع): "أما التوقيف ... "، (ع وق): "في كونه".
(٤) (ق): "ولا يجربه"، (ظ): "لا يخبر".