للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل له: لِمَ سجدتَ سجدتي السهو؟

قال: لا يضره، وذكر حديث ابن عباس: "إن استطعتَ أن لا تُصلِّيَ صلاةً إلاّ سجدتَ بعدَها سجدَتَين" (١) أما رأيتني ما صنعتُ، يقول: إني لم أقرأِ السجدةَ.

قلت: هذه الروايةُ في غايةِ الإشكال؛ لأن سجدةَ يوم الجمعة ليست من سُنن صلاة الفجرِ، ولهذا لا يستحبُّ أن يتعمَّدَ قراءة آيةِ سجدةٍ من هذه السُّورة ولا من غيرِها في فجرِ الجمعةِ، وإنما المقصودُ قراءةُ هاتينِ السورتين (تنزيل، وهل أتى)، لما فيهما من مبْدَءِ خَلْقِ الإنسان، وذكر القيامَةِ، فإنهما في يوم الجُمُعَةِ، فإن آدمَ خُلِقَ يومَ الجُمُعةِ، وفي يوم الجمعة تقومُ الساعةُ، فاستحبَّ قراءة هاتينِ السُّورتين في هذا اليومِ تذكيرًا للأمَّةِ بما كان فيه ويكونُ، والسَّجدةُ جاءت تَبَعًا غيرَ مقصودة، فلا يستحبُّ لمن لم يقرأْ سورة "تنزيل" أن يتعمَّدَ قراءة آية سجدةٍ من غيرها، لا سيَّما وقد آل هذا بخلقٍ كثيرٍ إلى اعتقادهم أن يومَ الجمعةِ خُصَّ بزيادةِ سجدة، فيشتدُّ إنكارُهُم على من لم يسجدْ ذلك اليومَ، وربَّما يُعيدونَ الصلاة، وينسبونه مع سَعَةِ علمِه وفقهِه إلى أنَّه لا يُحْسِنُ أن يُصَلِّي.

ولهذا والله أعلمُ، كَرهها مالكٌ وأبو حنيفة وغيرهما، فالسَّجدةُ ليست من سنن الصَّلاة (٢)، فلا يستحبُّ سجودُ السَّهوِ لِترْكِها، وهذا إن كان قد صَحَّ عن أحمد فالظاهر -والله أعلم- أنه رَجَعَ عنه، ولم يستقرَّ مذهبُه عليه.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف": (٢/ ٨١) بسندٍ صحيح.
(٢) وانظر: "زاد المعاد": (١/ ٣٧٥).