للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفيلسوف وتَشَدَّقَ المتكلِّمُ وقرَّر (١) ذلك -بعد اللَّتَيًّا والَّتي- في عدَّةِ ورقاتٍ، فقال مَنْ أوتي جوامِعَ الكَلِمِ: "فمَنْ أَعْدى الأوَّلَ"، ففَهِم السامِعُ من هذا: أن إعداءَ الأوَّلِ إن كان من إعداءِ غيرِه له، فإن لم ينتَهِ إلى غايَة فهو التَّسلسلُ في المؤثِّرات، وهو باطلٌ بصريحِ العقل، وإن انتهى إلى غايةٍ. وقد استفادَتِ الجَرَبَ من إعداءِ مَن جرب به له، فهو الدَّوْرُ الممتنعُ.

وتأمل قوله في قصة ابن اللُّتْبيَّةِ: "أفَلا جَلَسَ في بيتِ أبيهِ وأمَّهِ، وَقالَ: هَذا أُهْدِيَ لِي" (٢)، كيفَ يجدُ تحتَ هذه الكلمةِ الشريفة أن الدَّوَرَانَ يُفيدُ العِلِّيَّةَ، والأصوليُّ ربما كدَّ خاطِرَهُ حتى قرَّر ذلك بعد الجهد، فدلَّت هذه الكلمةُ النبوية على أن الهديةَ لما دارَت مع العمل وجودًا وعدمًا كان العمل سَبَبَها وعِلَّتها؛ لأنه لو جلسَ في بيتِ أبيه وأُمِّه لانتفتِ الهديَّةُ، وإنما وُجِدت بالعملِ فهو عِلَّتها.

وتأملْ قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللُّقَطَةِ، وقد سُئِل عن لُقَطَةِ الغنم فقال: "إنَّما هِى لَكَ أو لأخِيْكَ أو للذِّئْب"، فلما سئل عن (ظ /٢٥١ أ) لُقَطَةِ الإبلِ غْضبَ، وقال: "ما لَك ولَها، مَعَها حِذاؤُها وسِقاؤها، تَرِدُ الماءَ وتَرعَى الشَّجَرَ" (٣)، ففرَّق بين الحُكْمَينِ باستغناءِ الإبل واستِقلالها بنفسِها، دونَ أن يُخاف عليها الهَلَكَةُ في البرِّيَّة، واحتياج الغنم إلى راعٍ وحافظٍ، وأنه إن غابَ عنها، فهي عُرضَةٌ للسِّباع بخلاف الإبل،


(١) (ع): "وقرب".
(٢) أخرجه البخاري رقم: (١٥٠٠)، ومسلم رقم (١٨٣٢) من حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه البخاري رقم (٩١)، ومسلم رقم (١٧٢٢)، من حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -.