للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثامن: أن المادَّة الإبليسيَّةَ هى المارجُ (١) من النار، وهو ضعيفٌ، يتلاعَب به الهوى، فيميلُ معه كيفما مالَ، ولهذا غَلَبَ الهوى على المخلوق منه فأسَرَهُ وقَهرَهُ، ولما كانت المادَّةُ الآدَمِيَّةُ الترابَ، (ق/ ٣٦٦ ب) وهو قويٌّ لا يذهب مع الهوى أينما ذهبَ، قَهرَ هواه وأسره، ورجع إلى ربِّهِ فاجتباه واصطفاه، فكان الهوى الذي مع المادَةِ الآدَمِيَّةِ عارِضا سريعَ الزَّوال فزالَ، وكان الثبات والرَّزانَةُ أصليًّا له فعادَ إليه، وكان إبليس بالعكس من ذلك، فرجَعَ كلّ من الأبوينِ إلى أصلِهِ وعُنْصرِهِ: آدَمُ، إلى أصلِه الطَّيِّبِ الشريفِ، واللَعِين إلى أصلِهِ الرَّديء.

التاسع: أن النارَ وإن حَصَلَ بها بعض المنفعةِ والمتاع، فالشرّ كامنٌ فيها لا يصدُّها عنّه إلَّا قَسْرُها وحَبْسها، ولولا القاسِرُ والحابسُ لها لأفسدتِ الحرْثَ والنسلَ، والتّرابُ فالخير والبِرُّ والبَرَكَةُ كامنٌ فيه، كلما أُثِيرَ وقُلِبَ ظهرتْ بَرَكَتُهُ وخيرُهُ وثَمَرَتُهُ، فأين أحدهما من الآخر؟!.

العاشر: أن الله تعالى أكْثَرَ ذكر الأرض في كتابِه، وأخبر عن منافعِها وخَلْقِها، وأنه جعلها مِهادًا وفراشاً، وبساطًا وقراراً، وكِفاتاً للأحياءِ والأمواتِ، ودعا عبادَهُ إلى التَّفَكّر فيها والنظر في آياتِها، وعجائِب ما أودعَ فيها، ولم يذكرِ النارَ إلَّا في معرض العقوبةِ والتخويف والعذابَ، إلَّا موضعًا أو موضعينِ ذكرها فيه بأنها تذكرةٌ ومتاع للمُقوِيْنَ، تذكرةٌ بنار الآخرة، ومتاعٌ لبعض أفرادِ الإنسان، وهم المُقْوُونَ النازلونَ بالقَوا (٢)، وهي الأرض الخالية إذا نزلها المسافرُ تَمتع بالنار في


(١) (ق): "الخارج"!، والمارج هو: الشُّعلة الساطعة ذات اللهب الشديد. "اللسان": (٢/ ٣٦٥).
(٢) بالمد والقصر. "اللسان": (١٥/ ٢١٠ - ٢١١).