للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قالوا: فهبْ أن إبراهيمَ لم يكن يهودياً ولا نصرانيًا فنحن على ملَّتِهِ، وإنِ انْتحلنا هذا الاسمَ؟.

فأجيبوا عن هذا بقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ.} الآية إلى قوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦]، فهذه للمؤمنين.

ثم قال: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: ١٣٧]، وإن أَتَوْا من الإيمان بمثلِ ما أتَيْتم به، فَهُم على مِلَّةِ إبراهيمَ وهم مهتدون، وإن لم يأتوا بإيمانٍ مثل إيمانِكم، فليسوا من إبراهيمَ ومِلَّتِهِ في شيء، وإنما هم في شقاقٍ وعداوة، فإن ملَّةَ إبراهيمَ: الإيمانُ بالله وكتبِهِ ورسلِهِ، وأن لا يُفرَّق بين أحدٍ منهم، فَيُؤمَنَ ببعضِهم ويُكْفَرَ ببعضِهم، فمن لم يأتِ بهذا (١) الإيمانِ، فهو بريءٌ بها من ملَّةِ إبراهيمَ، مشاقٌ لمن هو على مِلَتِهِ.

وقوله تعالى: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: ١٤٠] أي: الله تعالى يعلمُ ما كان عليه إبراهيمُ والنَّبِيُّونَ من المِلَلِ، وأنهم لم يكونوا يهودًا ولا نصارى، فاللهُ تعالى يعلمُ ذلك، فلو كانوا يهودًا أو نصارى، واللهُ تعالى لا يعلمُ ذلك؛ لكنتم أعلَمَ من الله بهِم، هذا مع أنَّ عندكَم شهادة وبَينَةً من الله بما كان عليه إبراهيمُ، وبأنَّ هذا النبيَّ على مِلَتِهِ، ولكنكم كتمتُم هذه الشهادةَ عن أتباعِكم، فلم تؤدّوها إليهم مع تحقُّقِكم لها، ولا أظلم ممن كَتَمَ شهادة استشهدَهُ الله بها، فهي عندَه من الله، إلا أنه (٢) كتمها من اللهِ، فالمجرورُ مُتَعَلِّق بما تضمَّنَه الظرفُ، الذي هو "عندَه" من الكونِ والحصولِ.


(١) (ظ): "بمثل هذا".
(٢) (ق): "لأنه".