هو والأمة، وفي أي بقعة كانوا من الأرض، فهو مأمور هو والأمة باستقباله، فتناولت الآيتان أحوال الأمة كلها في مبدأ تنقلهم من حيث خرجوا، وفي غايته إلى حيث انتهوا، وفي حال اسقترارهم حيث ما كانوا، فأفاد ذلك عموم الأمر بالاستقبال في الأحوال الثلاثة (١) التي لا ينفكُّ منها العبد.
فتأمل هذا المعنى، ووازن بينه وبين ما أبداه أبو القاسم يتبين لك الرجحان، والله أعلم بما أراد من كلامه، وإنما هو كد أفهام أمثالنا من القاصرين.
(ظ / ٢٦٣ أ)(ق / ٣٨٠ ب) فقوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ}[البقرة: ١٥٠] يتناول مبدأ الخروج وغايته له وللأمة، وكان أولى بهذا الخطاب؛ لأن مبدأ التوجه على يديه كان، وكان شديد الحرص على التحويل.
وقوله:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}[البقرة: ١٥٠] يتناول أماكن الكون كلها له وللأمة، وكانوا أولى بهذا الخطاب لتعدد أماكن أكوانهم وكثرتها، بحسب كثرتهم واختلاف بلادهم وأقطارهم، واستدارتها حول الكعبة شرقًا وغربا، ويمنا وعراقًا، فكان الأحسن في حقهم أن يقال لهم:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}[البقرة: ١٥٠]، أي: من أقطار الأرض في شرقها وغربها، وسائر جهاتها، ولا ريب أنهم أدخل في هذا الخطاب منه - صلى الله عليه وسلم - فتأمل هذه النكت البديعة، فلعلك لا تظفر بها في موضع غير هذا، والله أعلم.
قال أبو القاسم: وكرر الباري تعالى الأمر بالتوجه إلي البيت الحرام في ثلاث آيات؛ لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس.