للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فذكره أوَّلَ مرَّة ابتداءً للحكم ونَسْخًا للاستقبال الأوَّل، فقال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤] ثم. ذكَرَ أن أهلَ الكتاب يعلمون أن هذا هو الحقُّ من ربِّهم حيثُ يجدونه في كتبهم كذلك، ثم أخبر عن عِنادِهم (١) وكفرِهم، وأنه لو أتاهم بكلِّ آيةٍ ما تَبعوا قِبْلَتهُ، ولا هو أيضًا بتابع قبلتَهم، ولا بعضهم بتابع قبلةَ بعض، ثم حذَّره من اتَباع أهوائِهم، ثم كرَّر معرفةَ أهل الكتاب به، كمعرفتِهم بأبنائِهم، وأنهم يكتمونَ الحقَّ عن علم، ثم أخبر أن هذا هو الحق من ربِّه، فلا يلحقْه فيه امتراءٌ، ثم أخبر أنَّ لكل من الأممِ وجهَةٌ هو مستقبلُها ومُوَلِّيها وجْهَهُ، فاستبقوا أنتم أيها المؤمنون الخيراتِ، ثم أعادَ الأمر باستقبالِها من حيثُ خَرجَ في ضمنْ هذا السِّياق الزائد على مجرَّد النسخِ، ثم أعاد الأمرَ به غيرَ مكرِّر له تكرارًا محضًا، بل في ضِمنه أَمْرُهُم باستقبالِها حيثما كانوا، كما أمرهم باستقبالِها أولًا حيثما كانوا عند النسخ، وابتداءِ شَرْعِ الحكمِ، فأمرهم باستقبالِها حيثما كانوا عند شَرْعِ الحكمِ وابتدائِه، وبعد المحاجَّةِ والمخاصَمَةِ، والحكم لهم، وبيان (ق/ ٣٨٢ أ) عنادِهِم ومخالفتهم مع علمهم، فذِكْرُ الأمر بذلك في كلِّ موطنٍ لاقتضاء السِّياق له، فتأمَّلْه، والله أعلم.

وقوله. إن الاستثناءَ في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: ١٥٠]، منقطع، قد قاله أكثرُ الناس، ووجهه: أن الظالمَ لا حُجَّةَ له، فاستثناؤه مما ذكر قبلَه منقطعٌ. وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ يقول (٢): ليسْ


(١) (ع): "عبادتهم".
(٢) انظر نحوه من كلام الشيخ في "الجواب الصحيح": (٣/ ٦٨ - ٧٢).