للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقائل أن يقول: اشتراك المستحبِّ والمفروض في لفظ واحدٍ (١) عامٍّ لا يقتضي تساويهما لا لغةً ولا عرفًا، فإنهما إذا اشتركا في شيءٍ لم يمتنع افتراقهما في شيءٍ، فإن المختلفات تشترك في لازم واحدٍ، فيشتركان في أمر عامٍّ ويفترقان بخواصِّهما، فالاقتران كمًا لا يُثبتُ لأحدهما خاصيَّةً، لا ينفيها عنه، فتأمَّله، وإنما يثبت لهما الاشتراكُ في أمرٍ عامٍّ فقط.

وأما الموضع الذي يظهر ضعف دلالة الاقتران فيه: فعند تعدُّد الجمل، واستقلال كلِّ واحدةٍ منهما بنفسها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدَّائم، ولا يغتسل فيه من جنابةٍ" (٢) وقوله: "لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده" (٣)، فالتَّعرُّض لدلالة الاقتران هاهنا في غاية الضَّعف والفساد، فإنَّ كلَّ جملةٍ مفيدةٌ لمعناها وحكمها وسببها وغايتها منفردةً به عن الجملة الأخرى، واشتراكهما (ق/٣٨٧ أ) في مجرَّد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراءه، وإنما يشترك حرف العطف في المعنى إذا عطف (٤) مفردًا على مفردٍ، فإنه يشترك بينهما في العامل، كـ "قام زيدٌ وعمرٌو" وأما نحو: "اقتل زيدًا وأكرم بكرًا" فلا اشتراك في معنى.

وأبعد من ذلك: ظنُّ من ظنَّ أنَّ تقييد الجملة السَّابقة بظرفٍ أو


(١) من (ق).
(٢) أخرجه أحمد: (١٥/ ٣٦٥ رقم ٩٥٩٦)، وأبو داود رقم (٧٠)، وابن حبان "الإحسان": (٤/ ٦٨)، والبيهقي: (١/ ٢٣٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح.
(٣) تقدم (٤/ ١٣٢٥).
(٤) من قوله: "لا يوجب ... " إلى هنا ساقط من (ظ).