للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن التغييرَ إنما هو في المعنى، والأداةُ وَرَدَتْ على فعل ماضٍ، فغيرت معناه إلى الاستقبال، وهذا هو الصَّوابُ؛ لأنَّ الأدواتِ المغَيِّرَةَ للكَلِم إنما تُغَيِّرُ معانيَها دونَ ألفاظِها، كالاستفهام المغيِّرِ لمعنى ما بعدَه من الخبرِ إلى الطلبِ، وكالتَّمَنِّي والتَّرَجِّي والطَّلَب (١) والنفي، ونظائره، ويتصرَّف إلى الحال بقرينةِ الإنشاءِ، كـ: "تَزَوَّجْتُ وبعْتُكَ وطَلّقْتُكِ"، على أحدِ القولين في هذه الصِّيَغِ. ومَنْ جَعَلَها إخبارًا عمَّا قام بالنفسِ فهي ماضِيَةٌ على بابِها (٢).

والتحقيقُ: أنها إنشاءٌ للخارجِ إخبارٌ عما في النفس، فجهةُ الخَبَرِ فيها لا تُنافي جهةَ الإنشاءِ.

ويتصرَّفُ إلى الاستقبالِ بقرينةِ الطلبِ والدُّعاءِ، كقولك: "غَفَرَ اللهُ لك، وأدخلَكَ الجَنَّةَ، وأعاذَكَ من النَّار"، ونحو "عَزَمْتُ عليك إلّا فَعَلْتَ". ويتصرَّف إليه أيضًا بالوعد عند بعضِهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١]، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: ٦٩]، و {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] ونحوه، وفيه نظر ظاهر للمتأمل.

ويتصرَّفُ أيضًا إلى الاستقبال بعطفِه على ما علم استقبالُه، كقوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: ٩٨] {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [النمل: ٨٧].

ويتصرف إلى الاستقبال أيضًا بالنفي بـ "لا" و"إنْ" بعد القَسَم، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ (ق/٣٨٨ ب) زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: ٤١]، وكقول الشاعر:


(١) من (ق).
(٢) (ق): "حالها".