للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك لأنها تدلُّ على امتناع الشيء لامتناع غيره. وإذا امتنع النفي صار إثباتًا، فجاءت الأقسام الأربعة، وأُوْرِدَ على هذا أمور:

أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧] ومقتضى ما ذكرتم أن تكون كلمات الله تعالى قد نفدَت، وهو محال؛ لأنَّ الأول ثبوت، وهو كون أشجار الأرض أقلامًا والبحار مدادًا لكلماته، وهذا منتفٍ. والثاني وهو قوله: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}، فيلزم أن يكون ثبوتًا.

الثاني: قول عمر: "نعمَ العبد صهيبٌ لو لم يَخَف الله لَمْ يَعْصِه" (١). فعلى ما ذكرتم يكون لخوف ثابتًا لأنّه منفيّ, والمعصية كذلك, لأنَّها منفية أيضًا، وقد اختلفت أجوبةُ الناس عن ذلك.

فقال أبو الحسن بن عُصْفور (٢): "لو" في الحديث بمعنى "إن" لمطلق الربط فلا يكون أنفيها إثباتًا ولا إثباتها نفيًا, فاندفع الإشكال.

وفي هذا الجواب ضَعْف بيِّن، فإنه لم يقصد في الحديث مطلق الربط كما قال، وإنما قصد ارتباط مُتَضمِّن لنفي الجزاء ولا سيق


(١) اشتهر هذا الأثر على ألسنة الأصوليين وأهل العربية عن عمر -رضي الله عنه -، ولم يوقف له على إسنادٍ بعد الفحص والتتبع.
انظر: "المقاصد الحسنة": (ص/ ٤٤٩)، و"كشف الخفاء": (٢/ ٤٢٨).
ولشيخ الإِسلام ابن تيمية رسالة في شرح هذا الأثر، ساقها السيوطي برمتها في "الأشباه والنظائر النحوية": (٤/ ٦٥).
(٢) هو: علي بن مؤمن بن محمد أبو الحسن بن عصفور الحضرمي الإشبيلي النحوي ت (٦٦٣) وقِيل غير ذلك.
انظر: "إشارة التعيين": (ص/ ٢٣٦) و"بغية الوعاة": (٢/ ٢١٠).