للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاضل على المفضول، والمعنيان موجودان. وربما قُدِّم الشيء لثلاثة معانٍ وأربعة وخمسة، وربما قدم لمعنًى واحد من الخمسة.

ومما (١) قدم للفضل والشرف: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦]، وقوله: {النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: ٦٩]، ومنه تقديم "السمع" على "البصر" (٢)، و"سميع" على "بصير"، ومنه تقديم "الجن" على "الإنس" في أكثر المواضع؛ لأن الجنّ تشتمل على الملائكة وغيرهم مما اجْتَنَّ عن الأبصار قال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: ١٥٨] وقال الأعشى (٣):

وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الملائِكِ سَبْعَةً (٤) ... قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلُوْنَ بِلا أَجْرِ

وأما قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٧٤] وقوله: {لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٣٩] وقوله: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: ٥] فإن لفظ الجن هاهنا لا يتناول الملائكة بحال؛ لنزاهتهم عن العيوب، وأنهم لا يُتَوهم عليهم الكذب، ولا سائر الذنوب؛ فلما لم يتناولهم عموم لفظ الجنِّ (٥)


= وعَبْد بن حُميد، وابن جرير: (٩/ ١٣٥ - ١٣٦)، وابن المنذر، وابن أبي حاتم: (٨/ ٢٤٨٨)، والبيهقي: (٤/ ٣٣١)، عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: "ما آسى على شيءٍ فاتني إلا أني لم أحج ماشيّا حتى أدركني الكِبَر، أسمع الله تعالى يقول: "يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر" فبدأ بالرجال قبل الركبان".
(١) (ق ود): "ربما".
(٢) (ظ ود): "السميع علي البصير".
(٣) ليس في "ديوانه"، وذكره ابن منظور في "اللسان": (١٣/ ٩٨).
(٤) في الأصول: "شِيعةً"، وفي "اللسان": "تسعة".
(٥) من (ق).