للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّ حِفْظه للأوَّل، ومراعاته له، وحرصه على بقائه أعظم من الثاني، والحسُّ شاهد بهذا وحسبك به.

ثمَّ ذكر التجارة سابعاً؛ لأنّ محبةَ العبد للمال أعظم من محبته للتجارة التي يحصله بها، فالتجارة عنده وسيلة إلى المال المقْتَرَف، فقدَّم المال على التجارة تقديم الغايات على وسائلها، ثمَّ وصف التجارة بكونها مما يُخشى كَسَادُها، وهذا يدلُّ على شرفها وخطرها، وأَنه قد بلغ قدرها إلى أَنها مَخُوْفة الكساد.

ثمَّ ذكر الأوطان ثامناً آخر المراتب؛ لأنَّ تعلُّق القلب بها دون تعلُّقه بسائر ما تقدَّم، فإن الأوطان [تتشابه] (١)، وقد يقوم الوطن الثاني مقام الأوَّل من كل وجه، ويكون خيراً منه، فمنها عِوَض.

وأمَّا الآباء والأبناء والأقارب والعشائر [والأموال] (٢)، فلا يتعوَّض منها بغيرها، فالقلب وإن كان يحن إلى وطنه الأوّل؛ فحنينه إلى آبائه وأبنائه وزوجاته أعظم، فمحبة الوطن آخر المراتب، وهذا هو الواقع إلا لعارض (٣) يترجَّح عنده إيثار البعيد على القريب، فذلك جزئي لا كلِّي، فلا تناقض به. وأما عند عدم العوارض فهذا هو الترتيب المناسب والواقع.

وأما آية (آل عمران)؛ فإنَّها لما كانت في سياق الإخبار بما زُيِّن للناس من الشَّهوات التي آثروها على ما عند الله واستغنوا بها، قدَّم ما تَعَلُّق الشهوة به أقوى، والنفس إليه أشدّ سُعراً (٤) (ظ/٢٢ أ) وهو


(١) (ق وظ): "متشابه" والصواب ما أثبت.
(٢) من (ق).
(٣) (ق): "لمعارض".
(٤) (ق): "والنفس أشد إليه سفراً".