للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتتعرَّض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنَّه هو (١) محبوبها ومعشوقها، فندب الله تعالى محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بَذْل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته، فإنَّ المقصود أن يكون الله هو أحبّ شيءٍ إليهم، ولا يكون في الوجود شيء أحبّ إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبَهم في حبه؛ نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها وهي: بَذْل نفوسهم له، فهذا غاية الحبّ، فإنّ الإنسان لا شيءَ أحبّ إليه من نفسه، فإذا أحبّ شيئاً بذل له محبوبَه من نفعِه ومالِه، فإذا آل الأمر إلى بذل نفسه ضَنَّ بنفسه وآثرها على محبوبه، هذا هو الغالب، وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية. ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده (٢)، فإذا أحسَّ بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه (ق/٣٠ ب) فرَّ وتركهم، فلم يرضَ اللهُ من مُحبِّيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتها.

وأيضاً فبذل النفس آخر المراتب، فإنَّ العبدَ يبذل ماله أولاً يقي به نفسَه، فإذا لم يبق له مال بذل نفسه، فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.

وأما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: ١١١]؛ فكان تقديم الأنفس (ظ/ ٢٢ ب) هو الأولى؛ لأنها هي المشتراة بالحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استامها ربها وطلب شراءها لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنَّتَه، فكانت هي المقصود بعَقْد الشراء، والأموال تبعٌ لها، فإذا مَلَكها مشتريها مَلَك مالَها، فإن العبد وما يملكه لسيده ليس له فيه


(١) ليست في (ق).
(٢) (ق): "عن نفسه وماله وولده".