للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا. وكذلك قولهم: "أَعْنق ليموت" (١)، لم يُعْنق لقصد الموت, ولم يتعلق اللام بالفعل، وإنما المعنى: قَدَّر اللهُ أنه يُعْنق ليموت, فهي متعلقة بالقدر (٢) وفِعْل الله. ونظيره: "إنِّي أَنْسَى لأَسُنَّ" (٣)، ومن رواه: "أُنَسَّى" بالتشديد فقد كشف قناع المعنى.

وسمعتُ شيخَنا أبا العباس ابن تيمية يقول: يستحيل دخول "لام العاقبة" في فعل الله، فإنها حيث وردت في الكلام؛ فهي لجهل الفاعل بعاقبة فعله، كالتقاط آلِ فى عود لموسى، فإنهم لم يعلموا عاقبته، أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة (ظ/ ٢٨ أ) نحو: "لِدُوا للمَوتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ" (٤).

فأمَّا في فعل من لا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة, ومن هو على كل شيءٍ قدير؛ فلا يكون قط إلا "لام كي" وهى لام التعليل.

ولمثل هذه الفوائدِ التي لا تكادُ توجدُ في الكتب يُحْتَاج إلى مجالسةِ الشيوخ والعلماء!!.


(١) قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - للمنذر بن عمرو، كما في "طبقات ابن سعد": ٣/ ٥٦٧، و "الإصابة": ٦/ ٢١٧.
(٢) (ظ ود): "بالمقدور".
(٣) رواه مالك في "الموطأ": (١/ ١٠٠) بلاغًا.
(٤) قطعة من حديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، من حديث مؤمّل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرة، عن أبي هريرة، رَفَعَه .. الحديث، وفيه: "وإن مَلَكًا ببابٍ آخر ينادي: يا بني آدم لِدُوا للصوت وابنوا للخرابِ".
قال السخاوى في "المقاصد الحسنة": (ص / ٣٣٢): "وهو عند أحمد والنسائي في "الكبري" بدون الشاهد منه، وصححه ابنُ حِبان، ثم شيخُنا" اهـ.
ثم ذكر له شواهد ضِعَافًا، وأخذه الشعراء فنظموا منه أبياتًا، ولأبي العتاهية قصيدة في "ديوانه": (ص/ ٤٢ - ٤٣) مطلعها:
لِدوا للموتِ وابنوا للخرابِ ... فكُلُّكمُ يصِيْرُ إلى ذَهابِ