للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَأيْتُمُوْني أُصَلِّي" (١) هو من هذا الباب، ودخلَتْ "ما" بين كاف التشبيه وبين الفعل مُهَيئة لدخولها عليه، فهي كافة للخافض ومُهَيئة له أن تقع بعد الفعل، وهذا قد خَفِي على أكثر (٢) النحاة حتى ظن كثير منهم أن "ما" هاهنا مصدرية، وليس كما ظن؛ فإنه لم يقع التشبيه هنا بالرؤية، وأنت لو صرحت بالمصدر هنا؛ لم يكن كلامًا صحيحًا، فإنه لو قيل: صلوا كرؤيتكم صلاتي، لم يكن مطابقًا للمعنى المقصود، فلو قيل: إنها موصولة والعائد محذوف، والتقدير: صلوا كالتي رأيتموني أصلي، أي؛ كالصلوات التي رأيتموني أصليها؛ كان أقربَ من المصدرية على كراهته، فالصواب ما ذكرتُه لك.

ونظير هذه المسألة قوله - صلى الله عليه وسلم - (ق/ ٥٨ أ)، للصدِّيق: "كما أنت" (٣)، فأنت مبتدأ والخبر محذوف، فلا مصدر هنا إذ لا فعل، فمن قال: إنها مصدرية فقط غَلِط، وإنما هى مُهَيئة لدخول الكاف على ضمير الرفع، والمعنى: كما أنت صانع أو كما أنت مُصَلٍّ، فَدُم على حالتك.

ونظير ذلك -أيضًا- وقوعها بين "بعد" والفعل، نحو قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: ١١٧]، ليست مصدرية كما زعم أكثر النحاة، بل هى مهيئة لدخول "بعد" على فعل "كاد"؛ إذ لا يُصَاغ من "كاد" و"ما" مصدر إلا أن يتجشم له فعلٌ بمعناه يُسْبَك منها، ومن ذلك الفعل مصدر، وعلى ما قررناه لا


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٣١) من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- وأصله في مسلم رقم (٦٧٤).
(٢) (ق): "على كثير من".
(٣) أخرجه البخاري رقم (٦٨٣)، ومسلم: (١/ ٣١٤ رقم ٩٧) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.